خطوات بطيئة
في الوقت الذي يتصدر فيه الواقع الخدمي اهتمامات الجهات المعنية في حلب لتحسين الأداء وتسريع وتائر العمل في مجمل المشاريع التي هي قيد الإنجاز وتعترضها الكثير من الصعوبات والعقبات، ما زال المشهد الاقتصادي والاستثماري يبتعد خطوات وأشواطاً طويلة عن أي رؤية واستراتيجية تعيد لهذين القطاعين حضورهما وتأثيرهما في خارطة العمل الإنتاجي والتنموي.
ولعل ما أنجز حتى الآن من خطط ومشاريع على مستوى تأهيل البنية التحتية للمدينة الصناعية في الشيخ نجار وفي منطقتي الكلاسة والعرقوب أسهم إلى حد كبير في عودة عجلة الإنتاج لمئات المعامل والمنشآت الصناعية، وهو أمر جيد لناحية تفعيل الحياة الاقتصادية وخلق بيئة مناسبة ونشطة تزيد من الحراك والتفاعل التجاري وتفتح آفاقاً جديدة ورحبة لجذب رؤوس الأموال وتحريك مفاعيل العملية الاستثمارية والتي ما زالت خجولة ومتواضعة، على الرغم من كل التسهيلات والمحفزات والمرونة التي تبديها المحافظة في تبسيط وتسهيل الإجراءات ومنح التراخيص وفتح التعاملات المصرفية المحدودة.
ومع أن معظم الدعم والاهتمام انصب على القطاع الخاص، نجد أن مؤشرات النمو والإنتاج غير مرضية وهي تتقدم بخطى بطيئة وربما ثقيلة جداً، ولا تتناسب مع أهمية وحجم وثقل مدينة حلب كرافع وداعم للاقتصاد الوطني، وهو ما يحتم على الفريق الاقتصادي الحكومي البحث في الأسباب المباشرة وغير المباشرة، وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الإجراءات والمرونة خاصة بما يتعلق بالتعاملات المصرفية وجدولة القروض المتعثرة والتي تشكل برأي المهتمين والمتابعين عقدة العقد.
وعلى الجانب الآخر من المعادلة نعتقد أنه من الضرورة تحديد مصير مؤسسات وشركات القطاع العام الاقتصادية والإنتاجية المتضررة والمتعثرة، وما يمكن اتخاذه من قرارات وخطوات جريئة سواء بما يتعلق بإعادة تأهيلها أو دمجها أو إلغائها نهائياً. فمن غير المقبول أن يبقى هذا الملف معلقاً ومهملاً إلى ما لا نهاية، في الوقت الذي تتضاعف فيه خساراتها نتيجة توقف إنتاجها واستمرار صرف رواتب عمالها وموظفيها.
وبالتأكيد لا يمكن تجاهل المفاعيل الإيجابية لآلية دعم القطاع الخاص، إلا أن أثر ذلك يبقى منقوصاً وغير مكتمل مع تجاهل أهمية القطاع العام كشريك أساسي مؤثر ومهم في تحقيق التوازن والاستقرار في ميزان ومفهوم العملية الاقتصادية والاستثمارية.
ونعتقد أن الأمر يحتاج إلى قراءة جديدة لمشهد القطاع العام بكل تفاصيله وتشابكاته وعقده، واتخاذ ما يلزم وعلى وجه السرعة لوقف استنزافه، وإعادة الحيوية والفاعلية له كقطاع رابح ومنتج.
وما يمكن تأكيده أن الإمكانات متاحة وهي تحتاج فقط إلى مزيد من المتابعة والتنسيق وتوزيع حصص الدعم المالي بشكل متوازن ومتساوٍ حسب الأهمية والأولوية، وإلى مبادرات وخطوات أكثر جدية تكون داعمة لمشروع إعادة الإعمار والبناء.
معن الغادري