أردوغان يراوغ.. والمعارضة التركية: لملاحقة ابن سلمان
بعد أن أوغل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان خلال الأيام السابقة في الإعلان للرأي العام العالمي بأنه سينشر الحقيقة الكاملة حول قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، جاء خطابه، الذي ألقاه أمام كتلة نواب حزبه أمس والذي خصّصه لكشف ملابسات وحقيقة الجريمة، باهتاً ومخيّباً للآمال، حيث اكتفى بطرح أسئلة جوفاء يثيرها عموم الناس، مناقضاً بذلك وعوده السابقة، بينما دعا رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت باخشالي إلى الإفراج عن كل المعلومات التي تملكها السلطات التركية، مشيراً إلى أنها كافية لملاحقة آل سلمان قضائياً.
وأثارت تصريحات أردوغان، أمام كتلة نواب حزبه الحاكم أمس، استياء كل من كان ينتظر إجابة أو معلومة جديدة حول قضية اغتيال خاشقجي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فهي لم تختلف في مضمونها عن خطاب مسؤولي النظام السعودي، حيث انتهج أردوغان أسلوب المراوغة، حيناً عبر طرحه مزيداً من الأسئلة حول ما جرى، والتنصّل من المسؤولية حيناً آخر، عبر وعده بما سمّاه مواصلة التحقيقات، مكتفياً بتبني ما أوردته مصادر تركية في وقت سابق.
وسعى أردوغان إلى إرباك المراقبين بمجريات التحقيق في مقتل خاشقجي، متسائلاً عن سبب عدم العثور على جثة الأخير، وعن المتعاون المحلي، الذي قيل إنه تمّ تسليم جثة خاشقجي له، إضافة إلى طرحه أسئلة عن الفريق المكوّن من 15 شخصاً، الذي أشارت تحقيقات إلى أن النظام السعودي أرسله إلى اسطنبول خصيصاً لتنفيذ عملية القتل.
أردوغان جدّد أيضاً انحيازه لولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان، وحاول إبعاد الشبهات عن مسؤوليته في الجريمة، زاعماً أن الأخير اتخذ خطوة مهمة بالاعتراف أن خاشقجي قُتل، وأنه سيتعاون بشكل كامل للكشف عن الحقيقة، منصاعاً بذلك لشروط الصفقة التي أبرمها الطرفان مؤخراً، وكشفت عنها أوساط المعارضة التركية، حيث يدفع بموجبها النظام السعودي مبالغ هائلة مقابل احتواء أزمة اختفاء خاشقجي ومقتله وإبعاد المسؤولية عن ابن سلمان.
وفي مواجهة الأصداء الدولية التي لاقتها قضية مقتل خاشقجي، حاول أردوغان إظهار اهتمامه بالكشف عن ملابسات ما جرى، إلا أنه اعترف أن خاشقجي قُتل بشكل وحشي، وأن عملية قتله كانت مدبّرة، زاعماً أن التحقيق لن ينتهي دون الإجابة عن جميع الأسئلة.
ومن المعلومات الضئيلة التي أشار إليها أردوغان في تصريحاته، فك القرص الصلب الخاص بكاميرات المراقبة في قنصلية النظام السعودي باسطنبول يوم الـ2 من تشرين الأول الجاري، كاشفاً أن خطة طريق قتل خاشقجي بدأت يوم الـ28 من أيلول الماضي.
بالمقابل، طالب رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت باخشالي بملاحقة رأس النظام السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان قضائياً لمسؤوليتهما عن مقتل الصحفي خاشقجي.
وقال باخشالي خلال اجتماع للكتلة البرلمانية: “إن المعلومات والأدلة المتوافرة لدى السلطات التركية تكفي لإدانتهما بشكل مباشر”، وطالب أردوغان “بالإعلان عن كل المعلومات التي ستكون كافية لملاحقة آل سلمان قضائياً”، مؤكداً أن آل سعود شياطين وأعداء للأمة الإسلامية، ويأتمرون بأوامر أمريكا والغرب.
دولياً، دعا نائب رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دو كرو إلى ضرورة وقف بلاده صادراتها من السلاح إلى النظام السعودي، وقال: “على بلجيكا أن تحذو حذو ألمانيا في توجّهها نحو وقف صادراتها من السلاح إلى السعودية”.
ولفت إلى وجوب التركيز على البعد الإنساني بما يسهم في تخفيف عدد الضحايا في اليمن، في إشارة إلى العدوان المتواصل الذي يقوده النظام السعودي على هذا البلد منذ آذار 2015 والذي يرتكب في سياقه عشرات المجازر والجرائم بحق المدنيين.
من جانبه، أكد نائب رئيس مجلس النواب التشيكي رئيس حزب الحرية والديمقراطية المباشرة توميو أوكامورا أن التعاون القائم بين نظام آل سعود الذي يدعم التطرف في العالم والاتحاد الأوروبي يمثّل انحداراً أخلاقياً بمعنى الكلمة، وقال: “من المعيب أن تقوم دول الاتحاد الأوروبي بما فيها تشيكيا بتزويد السعودية بالأسلحة”، داعياً الاتحاد إلى فرض حظر على صادرات الأسلحة إلى النظام السعودي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا النظام الذي يدعم ويموّل وينشر أيديولوجيا التطرف في العالم.
بدوره انتقد رئيس اللجنة الخارجية في مجلس النواب التشيكي، وزير الخارجية الأسبق لوبومير زؤاليك، موقف الاتحاد الأوروبي الضعيف بشأن مقتل خاشقجي واكتفاءه بالمطالبة بإجراء تحقيق، وقال في تعليق له: “إن مطالبة الاتحاد الأوروبي السعودية بإجراء تحقيق دقيق وشفاف هو حلم، ومثل هذا التحقيق لا يمكن له أن يتم”، مشيراً إلى أن الفريق الذي أنشأه ولي عهد النظام السعودي للتحقيق في الجريمة مثير للسخرية، مثله مثل زعمه أن 15 من عناصر الأمن السعوديين زاروا تركيا للسياحة فقط، وأضاف: إن “الوقت قد حان لتبني تغيير جوهري في موقف تشيكيا من مسؤولي السعودية”.
وتواصلت في الولايات المتحدة الأمريكية الدعوات إلى معاقبة النظام السعودي المارق، حيث نظّم مئات الناشطين في الولايات المتحدة الأميركية وقفة لإضاءة الشموع أمام مبنى القنصلية السعودية في نيويورك حداداً على ضحايا الاغتيال السياسي ومجازر التحالف السعودي بحق الشعب اليمني، فيما طالب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور ديك دوربين بطرد سفير النظام في واشنطن خالد بن سلمان فوراً، وقال في تغريدة له على تويتر: “إذا لم تدرك السعودية أنها ستدفع الثمن غالياً على هذه التصرفات فإنها ستواصل ارتكاب مثل هذه الأفعال، وعلينا طرد السفير السعودي في واشنطن حالاً، والتوقف عن تمويل الحرب التي تشنها الرياض على اليمن وقتلها الأطفال هناك”.
وانتقد السيناتور الأمريكي عن الحزب الديمقراطي لقاء وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين بولي عهد النظام السعودي، قائلاً: إن “المسؤولين في إدارة ترامب يواصلون التقاط الصور مع ابن سلمان بدلاً من طرد السفير السعودي وإنهاء الحرب في اليمن”، مشيراً إلى أن هذه التصرفات تتعارض مع القيم الأمريكية.
وحمّل أعضاء جمهوريون وديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب ابن سلمان المسؤولية الأساسية عن مقتل خاشقجي، منتقدين إقامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر علاقات وثيقة معه.
وعلى خلفية القضية التي أثارت اشمئزاز الرأي العام العالمي، أطلق الاتحاد الدولي للصحفيين حملة في الأمم المتحدة تدعو إلى وضع اتفاقية تُعنى بحماية حقوق العاملين في الإعلام في أنحاء العالم كافة، وقال: “إن هدف الحملة هو إنهاء حالة الإفلات من العقاب، وإسقاط الحصانة في حال انتهاك هذه الحقوق”.
وضمّ اجتماع أولي في مقر الأمم المتحدة ممثلين عن 15 دولة، بينها اليونان وروسيا وباكستان والبيرو وإيطاليا وتونس، وفق ما ذكر الأمين العام للاتحاد الدولي أنطوني بيلانجي.
وتمثّل المنظمة 600 ألف صحفي يعملون في 134 دولة.