الجدل السائد؟!
رغم اختلاف الظروف، والأرقام الإحصائية المتعلقة بفرص العمل المتوفرة، وأعداد الشباب الذين يمكن أن يدخلوا سوق العمل، أو العاطلين فيه، إلا أن الحديث العام وحتى المتخصص لم يختلف أبداً عن ذلك الجدل السائد قبل بداية الأحداث حول بطالة الشباب الذين تتزايد أعدادهم، حسب التصريحات الأخيرة لبعض الخبراء والمحللين، في الوقت الذي تثبت الوقائع الحياتية وجود نقص حاد في اليد العاملة بمختلف فئاتها في الكثير من المجالات والاختصاصات، سواء في القطاع الخاص، أو في ميدان المهن والحرف، وغيرها من قطاعات العمل التي أفرغتها موجات الهجرة الكبيرة، وظروف الحرب من عمالتها الخبيرة وذات الكفاءة.
ولا شك أن هذا الأمر يندرج أيضاً على مؤسسات القطاع العام وشركاته التي اتهمت ظلماً خلال السنوات الماضية وحتى الآن بوجود العمالة الفائضة فيها، حيث انشغلت وزارة الصناعة، وغيرها من الجهات المسؤولة، عن الإصلاح الإداري، وإصلاح القطاع العام الصناعي في معادلات حسابية مستحيلة الحل، بينما أكدت الحقائق فيما بعد وجود سوء توزيع للعمالة داخل هذا القطاع الذي تنازل في مرحلة سابقة عن خيرة خبراته لصالح المنافسين في سوق العمل، سواء في الداخل أو الخارج.
ومن المؤسف أن جميع المحاولات الهادفة إلى فتح آفاق عمل جديدة لم تكلل بالنجاح، وذلك لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بثقافة شعبية تهوى الوظيفة العامة، وتغريها طريقة العمل من حيث الراحة، والأمان الوظيفي، واكتساب الخبرة العملية، وأشياء أخرى تدور في فلك الكسب غير المشروع، وهذا واضح من خلال التركيز على العمل في القطاع العام، والبحث الدائم عن الواسطة المأجورة لتأمين مقعد وظيفي، والتخلي عن الطموح من الغالبية الساحقة لصالح الراتب الدائم.
ومن الأسباب أيضاً ضبابية في الفهم والتنفيذ للتوجهات والقرارات الاقتصادية، حيث تعاني الأفكار المطروحة اليوم كالمشروعات الصغيرة من علة تآكل العائد الاقتصادي الذي يساوي الصفر، أو أقل من ذلك حسب المحصلات النهائية لمشاريع الكثير من الناس الذين قطفوا ثمار هذا التوجه، وهذا يثبت عدم تحقيق الغاية المرجوة، ويؤكد دخول المشاريع الصغيرة سباق التنفيذ الإعلامي، والإنجاز الرقمي الذي يصطدم بضعف التمويل، وضآلة في حجم الكتلة المالية التي لم ولن تستطيع مواكبة فرق الأسعار، وبالتالي وأد المشاريع قبل ولادتها، وهنا نعيد قول “آسف صديقي”، فليس بالإمكان أكثر مما كان!.
بشير فرزان