نتائج الانتخابات البافارية تشير إلى مستقبل أوروبا
ترجمة: سلام بدور
عن موقع الانديبندنت 16/10/2018
كانت هناك ردة فعل من قبل قادة الحزب الأخضر الألماني عقب استطلاعات الرأي الأولية حول انتخابات ولاية بافاريا في ميونخ، فقد اعتمد سرد السياسة الألمانية لفترة من الوقت على صعود اليمين المتطرف ليكون حزباً ثانوياً ومهماً في الوقت نفسه، وكانت الطريقة الرئيسية التي ردّ بها المحافظون في جميع أنحاء أوروبا على صعود التيار اليميني الشعوبي هي سرقة ملابسه، حيث ردّ الحزب اليميني على ذلك بقوله إنه إذا كان ذلك هو ما يريده الناخبون فيمكنهم الحصول عليه منا.
بريطانيا هي أفضل مثال على هذه الإستراتيجية، حيث غطّى حزب المحافظين بقيادة تيريزا ماي على حزب استقلال المملكة المتحدة من خلال احتضانهم لاتفاق الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وتضخم حصتهم في الاستطلاع الخاص بهم إلى حدّ لم يصلوا إليه لعقود من الزمن، لأن محادثات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف بـ”البريكست” تتمحور حول ما يحدث على الأرض، أما ما يحدث في بافاريا الآن أفضل مثال على المكان الذي ذهب إليه هذا النهج الخاطئ.
قبل عدة أشهر من الانتخابات كانت حركة التضامن الاجتماعي، (الحلفاء الإقليميون لانجلا ميركل)، والذين هيمنوا على السياسة في ألمانيا منذ عام 1949 قد أحدثوا فرقعة كبيرة حول الهجرة من خلال مواجهة التغييرات في سياسة اللاجئين على المستوى الوطني، وكان هدفهم من ذلك هو إقناع الناخبين بعدم التصويت لحزب اليمين المتطرف في حال أراد أن يكون وسيلة للأجانب.
وفي يوم الانتخابات خسر حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي جزءاً كبيراً من الناخبين لمصلحة اليمين المتطرف كما كان متوقعاً، كما خسر أكثر من ذلك بكثير أمام الحزب الأخضر وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته مجلة دير شبيغل، حيث يبدو أن عدداً كبيراً من الذين أيدوه في المرة الأولى قد روعتهم كراهية الحزب المتزايدة للأجانب. فمن جهته يؤيد حزب الخضر الألماني اللاجئين بشكل واضح وصريح وهو في صعود دائم في ألمانيا وخاصة في بافاريا، حيث احتلوا المركز الثاني وحرموا الاتحاد الاجتماعي المسيحي من الأغلبية للمرة الثانية منذ عام 1949 في الانتخابات التي أُجريت في ظل نظام نسبي.
أما أنصار حماية البيئة والذين هم أقل راديكالية من نظرائهم في المملكة المتحدة فقد حلّقوا عالياً في الانتخابات الوطنية مع ازدياد عدد الاستطلاعات التي تبيّن أنهم سيحتلون المركز الثاني وخاصة أنهم فعلوا ذلك قبل بضعة أعوام عندما كان الخلاف حول الطاقة النووية يتصدّر عناوين الأخبار في ألمانيا، إلا أن ميركل قامت بتحييدهم ببساطة عن طريق تبني سياساتهم والتعهد بإغلاق المنشآت النووية، لكن هذه المرة قد يكون للمستشارة البراغماتية مساحة أقل للمناورة مع ضغوط كلّ من اليمين واليسار على الهجرة، حيث قال حزب اليمين المتطرف إن الإسلام ليس موضع ترحيب، إضافة إلى وجود خيوط أخرى للقصة.
أما بالنسبة للديمقراطيين الاجتماعيين الذين هم في تحالف مع المحافظين بقيادة ميركل على المستوى الاتحادي فقد غرقوا في المركز الرابع، وهم الآن بحاجة ماسة إلى إعادة التفكير والانتعاش وذلك إذا ظلوا على قيد الحياة، فهم لا يظهرون الآن أية بوادر تُذكر بامتلاكهم للطاقة وذلك في سبيل إعادة إنعاش أنفسهم، فقصتهم شائعة في جميع أنحاء أوروبا من فرنسا إلى هولندا ومن اليونان إلى إيطاليا، حيث يتمّ الاستغناء عن الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية اليسارية التي كانت قوية في السابق، فقد تعرّض الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني لضربة قوية وذلك بعد أن قام بالعمل مرتين مع المحافظين، عندما كانت الحكومة تقوم بأفعال خاطئة وكان يتمّ إلقاء اللوم على الحزب، ولكن عندما كانت تفعل الأمور بشكل صحيح فإنه كان يحصل على القليل من الائتمان فقط.
من جهة أخرى فإنه ليس من المؤكد ما إذا كان الحزب الأخضر سيستمر في هذا الصعود، لأن السياسة الألمانية أصبحت عبارة عن جزء من دائرة في العقد الأخير مع حصول الأحزاب الصغيرة على بعض الوقت في الانتخابات العامة، حيث يبحث الناخبون عن بديل بدلاً من فقدان الاهتمام. فالحزب الأخضر وحزب اليسار وحتى حزب القراصنة كلهم كانت لديهم مشكلات وهفوات مؤقتة معينة في نقاط مختلفة، إلا أن القوة الوحيدة التي حافظت على دعم متزايد حتى الآن كانت القوة اليمينية المتطرفة. ولكن ما يبدو مؤكداً هو أن مؤسسة ألمانيا المحافظة ليست بمنأى عن التعفن الذي يعاني منه نظامها الاجتماعي الديمقراطي!.