دراساتصحيفة البعث

“نظرية التهديد الصيني” إستراتيجية أمريكا الانتخابية

 

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 18/10/2018

اتهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس خلال كلمة له في معهد هدسون في 4 تشرين الأول بكين بالقيام بممارسات تجارية غير عادلة، مشيراً إلى أن الكثير من نجاح الصين في ناتجها المحلي الإجمالي “كان دافعه الاستثمار الأمريكي في الصين”. ونقل عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوله: “لقد أعدنا بناء الصين على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية”، مصوّراً الولايات المتحدة باعتبارها القوة الغربية الكبرى الوحيدة التي لم تغزُ أبداً، وهي التي كانت دائماً تساعد الصين، متهماً بكين بالجحود، لكن سيثبت التاريخ أن تصريحات بنس خاطئة.
ليست الولايات المتحدة بهذا القدر من النبل الذي وصفه بنس في علاقاتها مع الصين، فقد كانت الولايات المتحدة أحد مرتكبي الإهانات والاستغلال الذي عانت منه الصين خلال “قرن الإذلال” بدءاً من حرب الأفيون، الذي شاركت في تهريبه إلى الصين، ووقعت معاهدات غير متكافئة مع الصين، وغزت الصين كواحدة من تحالف الأمم الثماني وفرضت سياسة الباب المفتوح من جانب واحد.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، فرضت الولايات المتحدة حصاراً على الصين ودعمت بقايا حزب الكومينتانغ “الحزب القومي الصيني هو الحزب الحاكم في تايوان” لمواجهة البر الصيني الرئيسي وبدأت الحرب الكورية وحرب فيتنام، مما أدى إلى عزلة كبيرة للصين. وقال بنس إن الولايات المتحدة “جاءت بالصين إلى منظمة التجارة العالمية”، لكن الولايات المتحدة هي التي عرقلت انضمامها، بثبات، خلال 15 سنة من المفاوضات.
في الواقع، عزّزت المساعدات الأمريكية قدرة الصين على مقاومة العدوان الياباني خلال الحرب العالمية الثانية وساعدت في تعزيز ثقافة البلاد وتعليمها، لكن كان وراء المساعدات مصلحة وطنية أمريكية وتخطيط استراتيجي عالمي. لا يمكن إنكار أن الاستثمار الأمريكي ساهم في نهوض الاقتصاد الصيني، ولكن وفقاً لوزارة التجارة الصينية، منذ عام 1987 عندما بدأت الصين في الاحتفاظ بإحصائيات حول الاستثمار الأجنبي، استخدمت البلاد رأس المال الأجنبي بشكل تراكمي بأكثر من 2 تريليون دولار، من بينها 81.36 مليار دولار من الاستثمارات الأمريكية، وهو ما يمثّل 4.06 في المائة فقط، وتظهر المبالغة والتعتيم الأمريكيان أن واشنطن في سياستها لا تثق بالصين.
اعتمد نمو الصين على تصميمها على تحسين الذات، فخلال السنوات الأربعين للإصلاح والانفتاح، وجد الشعب الصيني طريقاً للاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تناسب الظروف الوطنية للصين وتؤدي إلى الازدهار. وبمساعدة التنمية المبتكرة والمنسقة والخضراء والمنفتحة والمشتركة، نجحت الصين في أن تقلّل من التناقض بين التنمية غير المتوازنة وغير الكافية وحاجة الناس المتزايدة باستمرار لحياة أفضل. تسير الصين لأن تكون دولة اشتراكية حديثة عظيمة، أي دولة مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتطورة ثقافياً ومتجانسة وجميلة.
اعتمد نمو الصين على موقفها المنفتح، فاتبعت البلاد باستمرار مسار التنمية السلمية، وتبنّت إستراتيجية الانفتاح التي تجلب المنفعة المتبادلة. تلتزم الصين بالتعاون الودي مع جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة. كما حوّلت بكين اقتصادها المستقل إلى اقتصاد سوق تنظمه الحكومة، ما أعطى زخماً مطرداً للنمو الاقتصادي للصين.
يعتمد تقدم الصين على مبدأ المعاملة بالمثل، ويعني ذلك أن البلاد لن تسعى أبداً إلى تطوير نفسها على حساب مصالح الدول الأخرى، ولكن بكين تصرّ على حماية سيادتها ومصالحها وأمنها بحزم، تعني المعاملة بالمثل أيضاً تقاسم عائد التنمية مع الناس في جميع أنحاء العالم.
ظلت مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي عند نحو 30 في المائة منذ عام 2013، وقد صُنّفت كأكبر مساهم منذ ذلك الحين. في عام 2017 بلغت مساهمة الصين 34.6 في المائة، أي نحو ضعفي مساهمة  الولايات المتحدة. أقامت الصين أكثر من 80 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري خارجي مع دول على طول مبادرة “الحزام والطريق”، ونجحت بإضافة 244 ألف وظيفة.
اتهام بنس بأن الصين ناكرة للجميل يتعارض مع التاريخ، فهو لم يواجه عقلانية وضرورة المسار الصيني بشكل مباشر، ولا يفهم معنى الاستقلال والاعتماد على الذات. تذكّر إستراتيجية بنس برسالة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك دين أتشيسون إلى الرئيس الأمريكي هاري إس. ترومان في عام 1949، والتي هدفت إلى تضليل الجمهور في جميع أنحاء العالم وتشويه المكانة الأخلاقية العالية من خلال إدانة الصين.
مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، تصبح “نظرية التهديد الصيني” إستراتيجية انتخابية. ومن الواضح أن خطاب بنس كان غير عادل ويهدف إلى جذب التأييد الشعبي. وكما قال الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ في مقال له دحض فيه رسالة أتشيسون، “صداقة” أم عدوان؟: “سعياً لتبرير العدوان، إن دين أتشيسون يعزف على وتر الصداقة، ملقياً بالعديد من “المبادئ”!.