انزياح بوصلة بعض الفرص الاستثمارية نحو مناطق غير محددة لها..! تصنيف الأراضي وغياب التخطيط المكاني يخرجان المشاريع من إطار الخارطة المعتمدة
مع ارتفاع حصيلة المشاريع الاستثمارية المنفذة والمشملة خلال العام الحالي إلى 80 مشروعاً وفق وثيقة صادرة عن هيئة الاستثمار السورية، بات من الواضح أن قطاع الاستثمارات في المجالات الصناعية منه والخدمية والزراعية، يشهد تحسناً يبشر بتعافي الاقتصاد الوطني وقدرته على جذب رؤوس الأموال، ولكن لدى المطابقة بين الخارطة الاستثمارية للهيئة والمشاريع المنفذة على أرض الواقع، يتبين أن جل المشاريع المشملة والمنفذة حملت ذات العناوين المطروحة ضمن الخارطة ما يدل على أنها عناوين جاذبة للمستثمرين، إلا أن تشميلها تم ضمن أملاك خاصة أو في المدن الصناعية، وليس في المناطق المحددة ضمن الخارطة، ما يشي بأن ثمة معوقات حالت دون ذلك، منها عدم تخصيص هذه المشاريع بأراضٍ من أملاك الدولة، وغياب التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية لتأمينها ضمن المواقع المحددة بالأساس وفق متطلبات التنمية المتوازنة والجدوى الاقتصادية للمشروع المتوائمة بالأصل مع المقومات الاستثمارية الموجودة في المكان المحدد على الخارطة الاستثمارية.
تغير مكاني
لقد تضمنت الوثيقة 13 فرصة استثمارية من ضمن المشاريع المطروحة في الخارطة الاستثمارية، تمت في 31 منطقة، منها ثلاثة مشاريع نفذت ضمن المناطق المحددة ومشروع ضمن أملاك خاصة، أما المشاريع المتبقية فقد تمت تنفيذها في محافظات أخرى، ضمن أملاك المستثمرين الخاصة أو ضمن المدن الصناعية في حال عدم توفر الأرض المناسبة، في حين بلغ عدد المشاريع المشملة غير المطروحة ضمن الخارطة نحو 30 مشروعاً، كمشروعي بروفيلات الألمنيوم، وزراعة الدراق المشملة في محافظة السويداء، وستة مشاريع لإنتاج الخيوط القطنية والألبسة في محافظتي حماة وحلب، ومشروع لإنتاج الأدوية البيطرية في محافظة حماة، وآخر للأدوية البشرية في ريف دمشق، والعديد من المشاريع الهامة، إلى جانب 16 مشروعاً خدمياً لنقل الركاب والبضائع ضمن ثماني محافظات.
عثرة التصنيف
تكمن الإشكالية في دليل تصنيف الأراضي الذي يقف حجر عثرة في مسار تنفيذ المشاريع الاستثمارية ذات الطابع الصناعي، إذ بين مدير هيئة الاستثمار مدين دياب أن أغلب المشاريع الاستثمارية تصطدم بهذه الإشكالية كما هو الحال في محافظة طرطوس على – سبيل المثال – المصنفة أراضيها بزراعية وسياحية، وبالتالي فإن تنفيذ مشروع صناعي فيها غير ممكن، لتأتي الحلول إما بتأمين الأرض ضمن المدن والمناطق الصناعية، أو ضمن أملاك خاصة بالمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع استثمارية حيوية ضمنها فيتم منحهم الموافقة.
في الوقت الذي نفى فيه مدير الأراضي الزراعية عمر دودكي عدم مرونة وزارة الزراعة في المشاركة بتنفيذ الفرص الاستثمارية عبر تخصيصها بالأراضي، أشار إلى أن عمل الوزارة يقوم على حماية الأراضي الزراعية بالمقام الأول، وإبعاد المشاريع الصناعية قدر الإمكان عنها لدرء ضررها عن البيئة، ليدعم رأيه بأن الحكومة أوجدت الحل وذلك بإنشائها لمناطق ومدن صناعية في جميع المحافظات، وبين دودكي في معرض جوابه عن إمكانية التوجه إلى تطوير دليل تصنيف الأراضي أنه لا يوجد حالياً خطة للعمل على هذا الصعيد، مشيراً إلى وجود ثمانية مستويات لتصنيف الأراضي الزراعية، إذ تخصص المستويات الأربعة الأولي للزراعة وتنفيذ سياسة الدولة، أما من المستوى الخامس إلى الثامن فتم تصنيفها ضمن الأراضي غير الزراعية وتصلح للمشاريع الاستثمارية الحيوانية والإنتاج النباتي الذي لا يحتاج إلى استثناء من دليل تصنيف الأراضي، أما المشاريع الاستثمارية غير الزراعية فتحال إلى لجان المشكلة وفق البلاغات الصادرة عن مجلس الوزراء رقم /4/ ورقم /15/ المؤلفة من خمس جهات حكومية تدرس إمكانية منح الاستثناءات للمشاريع الحيوية المقدمة.
توضيح المعالم
وفي معرض حديثه عن أسباب عدم مطابقة المشاريع المنفذة مع ما تضمنته الخارطة الاستثمارية، لفت دياب إلى إشكالية أخرى لا تقل أهمية عن الأولى في تطوير المشهد الاستثماري، وهي غياب الإطار الوطني للتخطيط المكاني، والذي يحدد جميع المناطق القابلة للاستثمار في سورية ويبين مدى مواءمتها للفرص الاستثمارية المطروحة، وربط المشاريع مكانياً، إلى جانب ربطه بمشروع “سورية ما بعد الحرب”، الذي طرحته هيئة التخطيط والتعاون الدولي ولم يصدر إلى الآن، مبيناً أن وجود الإطار الوطني من شأنه توضيح معالم المشهد الاستثماري في سورية، ويسهل عملية توزيع الفرص الاستثمارية بناء عليه، لافتاً إلى أن عمل الهيئة متكامل مع الجهات المعنية بالعملية الاستثمارية من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والإدارة المحلية والوزارات المقدمة للفرص الاستثمارية، الأمر الذي يتطلب خبرة وكفاءة من كوادر هذه الجهات لاجتراح الحلول وتسهيل الإجراءات لتحويل الفرص إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع. وأشار دياب في سياق متصل إلى أن الهيئة تعمل على تطوير بعض الآليات والنظم الخاصة لبناء السكة الصحيحة للفرص الاستثمارية لجهة تقييم الفرص ومحدداتها وجدواها الاقتصادية، لافتاً إلى وضع خارطة جديدة لمشاريع الاسمنت من خلال تشكيل لجنة مشتركة مع وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للجيولوجيا.
وفي محاولة لاستيضاح المعوقات المتعلقة بتأخر إنجاز الإطار الوطني للتخطيط المكاني التابع لهيئة التخطيط والتعاون الدولي، فقد علمنا من مصادر مطلعة من الهيئة بعد تعذر التواصل مع المسؤول عن هذا الملف، أن جميع فرق العمل قد سلمت البيانات المطلوبة منذ أربعة أشهر، وتم إرسالها إلى المجلس الاستشاري لتنسيق السياسات واعتمادها للعمل على إيجاد المصفوفة التنفيذية لها، ليتم إصدارها قبل نهاية العام الحالي.
فاتن شنان