خطوات دعم غير مكتملة تربية دودة الحرير.. بحث عن أسواق لتصريف المنتج بأسعار مناسبة.. وتساؤلات عن جدوى العمل
شهدت تربية دودة الحرير هذا الموسم عزوفاً لبعض المربين القدامى، ودخول مربين جدد على خط التربية، ممزوجاً بأمل تأمين مورد رزق إضافي، فإنتاج هذا العام أفضل من العام الماضي بعد أن جنى المربون 720 كغ شرانق في ظل الدعم الحكومي الذي حظيت به التربية بعد سنوات غياب، من حيث تأمين البذار مجاناً، وتربية الدودة حتى العمر الثالث في مراكز التربية، إضافة إلى دعم كيلوغرام الشرانق بـ 2000 ليرة، ولكن بقيت خطوات الدعم ناقصة وغير مكتملة لجهة حل الشرانق المتبقية إلى الآن عند المربين، إضافة إلى فقدان الحلقة الأهم، وهي تصريف الإنتاج أمام غياب جهة حكومية عامة، وتحكم الجهات الخاصة بسعر حل الشرانق، وشراء الكيلوغرام منه، وهنا نتساءل عن جدوى التربية أمام هذا الواقع؟ وما أبرز مطالب ومقترحات المربين لتنشيط التربية، والحفاظ عليها، والولوج بها إلى مستقبل الزراعات الأسرية الريفية التراثية التي “تستر” عائلات كثيرة، وتعود بريع لابأس به لأسر تنتظر تأمين أبسط متطلبات العيش الكريم؟!.
تنمية بالمناطق الفقيرة
تعتبر تربية دودة الحرير من التراث، وسورية من أهم البلدان التي يمر عبرها طريق الحرير.. هذا ما أشار إليه مضر أسعد، رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، وأضاف: يمكن أن تشكّل التربية مصدر دخل إضافياً لمن يعمل بهذه التربية، وبالمقابل تعطي تنمية بالمناطق الفقيرة، حيث يمكن أن يمارسها المربي في البيت بأي زمان وأي موقع، فظروف تربيتها مريحة، ولا تحتاج إلى جهد عضلي، حيث تعتبر فرصة عمل لذوي الاحتياجات الخاصة، وحتى كبار السن يمكنهم العمل بهذه التربية، كما أنها تساهم بشكل كبير في تنمية الأسر الفقيرة، وزيادة دخلها، وللتربية بعد بيئي أشار له أسعد يتمثّل في أن تلك التربية مؤشر كبير جداً لبيئة صحية نظيفة ومثالية، لأن الدودة لا تعيش إلا بالمكان النظيف.
شهرة عالمية
ورأى أسعد أنه لابد من إعادة الاعتبار للصناعات السورية المنزلية من الحرير الذي كان يسمى حرير الدامسكو أو البروكار، وهو مشهور عالمياً، حيث إن ملكة بريطانيا اشترت فستان العرس من الحرير الدامسكو الشامي، فالسمعة لحريرنا سمعة عالمية، ويضاهي الحرير في كافة بلدان العالم، لكن هناك سوء تصريف، وعدم دعم لهذه التربية!.
وأشار رئيس الاتحاد إلى عدم وجود جهات مسوقة، وغياب دعم من الدولة، وعدم تأمين البيوض في الأوقات المناسبة والمحددة، وهذا يعود للحصار الاقتصادي على سورية، وأزمة المحروقات أثرت على انخفاض أشجار التوت القديمة الموجودة لاستخدامها كوسيلة للتدفئة، واقترح إنشاء معمل لحل الحرير، على ألا يقل عن 500 خط لاستيعاب الكميات المنتجة، ودعم المربين، على أن يكون الدعم للمنتج بكيلوغرام الحرير، وإيجاد أسواق تصريف خارجية للإنتاج المحلي، وخلق فرص عمل لذوي الشهداء، وذوي الاحتياجات الخاصة.
من صور الدعم
يعتبر تأسيس مركز لتربية دودة الحرير صورة من صور الدعم للمربين، وهنا أشارت المهندسة مرفت مهنا، رئيسة مركز حاموش رسلان لتحضين وتفقيس وتربية دودة الحرير، إلى أن مشروع التربية من التراث الذي تعتمد عليه عائلات تحتاج لمورد رزق، حيث يمكن للمرأة الريفية أن تقوم بالتربية إلى جانب أعمال أخرى حقلية أو منزلية، ويقوم المركز بتفقيس دودة الحرير وتربيتها حتى العمر الثالث أو نهايته، وذلك حسب كمية ورق التوت، ومدى استعداد المربي للتربية وتجهيز أدواتها، وبيّنت أن المربي يربي عملياً موسماً ربيعياً فقط، وأعرب المربون: “شادي هنيدي، وعدنان قيضبان، وسليمان نوح” عن جاهزيتهم للعمل والتربية في حال توفر مستلزماتها من بيض وورق توت، وجهة حكومية تستلم الإنتاج بأسعار عادلة.
وحسب مهنا فإن 80% من المربين حديثون، ويوجد 11 مربياً من منطقة الدريكيش، اثنان منهم من المربين القدامى، و9 جدد دخلوا هذا الموسم للتربية على أمل بريع جيد يعود عليهم.
إنتاج محلي
وعن مهام المركز أفادت المهندسة مهنا: يستلم المركز البيوض من دائرة الحرير بطرطوس، تحوي العلبة 20 ألف بيضة، وزنها 11,7غ، تنتج 40-45 كيلوغرام شرانق خضراء بالعروة الربيعية، ويحصد المربي حوالي 20 ألف ليرة من تربية العلبة الواحدة، وزعنا في الموسم الربيعي 11 علبة لـ 11 مربياً عندما دخلت الدودة بالعمر الثالث، مشيرة إلى أن نسبة فقس البيض بالمركز 100%، ووضع الديدان ممتاز، ويتم التعامل مع البيوض من خلال تجهيز الصالات، لافتة إلى أن البيوض تم إنتاجها هذا العام “محلياً” في المركز، وهي بنوعية ممتازة.
عدم توفر الخبرة
وأردفت: زود المركز في بداية شهر شباط لهذا العام بـ 1250 غرسة توت مخصصة للزراعة بأرض المركز، وأوضحت عن آلة حل الشرانق التي زودت المراكز بها بأنها غير صالحة للاستخدام، كون المربين مبتدئين، وليست لديهم الخبرة، فخرجت الخيوط متقطعة، ولم تكن بالجودة المطلوبة، وأصبح الحل بالفترة الحالية صعباً، لأن إنتاج الشرانق أمضى ثلاثة أشهر، مؤكدة أن أساس مشروع “تربية دودة الحرير” لم يجد طريقه للحل هذا العام، فالشرانق مهددة بالتلف، والإنتاج بالكساد، فلا جهة حكومية استلمت، والخاص يتحكم ولم يأخذ!.
وعرضت مهنا صعوبات المركز التي تتلخص بقدم فرامة التوت الموجودة منذ عام 2005، ويباس أشجار التوت في المركز بسبب قلة السماد، والتأخر بإيصاله، فمنذ بداية الحرب لم يرد أي نوع من السماد إلى المركز!.
حل الشرانق وتسويقها
عفراء محمد، إحدى المربيات الجدد، بدأت تجربتها هذا العام بتربية علبتين، فهي ربة منزل، وزوجها في صفوف الجيش العربي السوري، ورغبت بتربية دودة الحرير لكسب مادي يساعدها في تربية أطفالها، ولفتت إلى أن تجربة هذا الموسم هي “قطع الوتر” للمربين الجدد، إما للاستمرار بالتربية، أو التوقف عنها، ولاسيما أن الشرانق لم تحل حتى الآن، والروائح الصادرة منها سيئة لا تحتمل نتيجة حفظها بشكل غير نظامي، وبعض المربين تخلصوا منها لأنها اسودت، كما أن حل المربي على حسابه غير مجد، فإيجار الحل 3500 ليرة لكيلوغرام الشرانق!.
قبل فوات الأوان
عدنان قيضبان من المربين القدامى أبدى استعداده للتربية شريطة تأمين جهة حكومية تستلم الإنتاج، فالدولة صمام الأمان، وعامل استقرار للمربين، لافتاً إلى أن ثلاثة أو أربعة مربين في بداية الإنتاج صرفوا إنتاجهم للسوق الخاصة، حيث تم شراء كيلوغرام الشرانق منهم بـ 500- 1000 ليرة فقط، متسائلاً: ما موقف الأمانة السورية، هل ستستلم من المربين قبل فوات الأوان؟!.
تجاهل الرد؟
بدورنا وجهنا كتاباً رسمياً إلى المهندسة نزيهة السيد، رئيسة دائرة الحرير بطرطوس، ولكن لم يصلنا أي رد منذ أكثر من شهرين؟!.
720 كغ شرانق
ولمعرفة الدعم المقدم من وزارة الزراعة لمربي الحرير في طرطوس، أفادنا لبيب قبرصلي، عضو المكتب التنفيذي المختص، حسب ما جاء في كتاب الوزارة، مديرية وقاية النبات، إلى المحافظة، رقم 1052/وق، تاريخ 27/6/2018، بأن الوزارة قدمت بيوض دودة الحرير مجاناً للمربين، علماً بأن العلبة الواحدة من البيوض تبلغ قيمتها /30000/ ل.س، وتقوم مراكز تربية دودة الحرير بالتربية والتغذية للعمر الثالث ليرقات دودة الحرير دون أي مقابل، كما أن الوزارة قدمت الدعم الكافي لإنتاج كل 1 كغ من شرانق الحرير، وتم رفع هذا الدعم من 300 إلى 2000 ل.س، وأمنت الوزارة آلات حل الشرانق اليدوية، وبإمكان المربين مراجعة مراكز التربية لحل الشرانق مجاناً، وبالتنسيق مع الأمانة السورية للتنمية تم تسويق إنتاج خيوط الحرير للموسم الماضي، وسيجري التنسيق مع الأمانة السورية حول إمكانية تسويق الإنتاج هذا العام، والعملية التسويقية لمنتجات الحرير /شرانق وخيوط/ تخضع لمتطلبات السوق مباشرة، وبيّن قبرصلي أن حصيلة العام وإنتاج المربين من شرانق الحرير وصل إلى 720 كغ، ولتنشيط وإعادة إحياء التربية اقترح قبرصلي زيادة عدد المربين، وتأمين البيوض اللازمة لهم، وغراس التوت مجاناً، وإعادة تشغيل معمل الحرير في منطقة الدريكيش.
إحياء التربية
تبقى مطالب المربين بحل الشرانق المتبقية، وإيجاد جهة تسويقية عامة “محقة”، ليستمر العمل والإنتاج، على أن تخضع آلات معمل الحرير الوحيد في محافظة طرطوس “منطقة الدريكيش” للصيانة لتعود عجلة الدوران والإنتاج والحياة إلى قلوب المربين الذين يعيشون على “أمل” إحياء التربية!.
دارين حسن