على عكس نظيرتها في القطاع الخاص “فخرية” مجالس الإدارة في القطاع العام تخرجها عن مسار رسم السياسات
ينبئ المشهد العام لمجالس الإدارة في سورية بالغياب شبه التام عن دورها الحقيقي في رسم استراتيجية وسياسة عمل المؤسسات والمنشآت، لتفتقد هذه المجالس فعاليتها وأهمية اجتماعاتها في ظل انحسار دور بعض أعضاء المجلس بالموافقة على كل ما يتم تقديمه خ لال الاجتماع من أعضاء مجلس الإدارة الأصليين في المؤسسة ذاتها، لتصبح مجالس الإدارة مجالس فخرية بعيدة كل البعد عن ممارسة مسؤوليتها في رسم السياسات ومعالجة المشاكل واستنباط الحلول لعمل المؤسسات والشركات.
دور مهمش
هي وجه آخر وتطبيق حقيقي لفصل الملكية عن الإدارة، لكن تطبيق مجالس الإدارة سيئ في بلدنا فوجودها وعدم وجودها اليوم لا يضيف قيمة مضافة للمؤسسة، ويفترض محمد كوسا “خبير اقتصادي” وجود تعديلات معينة في تطبيق وجود مجالس الإدارة، فمهمة مجلس الإدارة رسم السياسات الاستراتيجية الخاصة للمؤسسة أو المنشأة الاقتصادية، وللأسف فقد اقتصر دور مجالس الإدارة اليوم على بعض القضايا الطارئة رغم أن القانون الناظم لعملها رسم لها مهامها ومسؤولياتها برسم الخطوط العريضة للمؤسسة ومراقبة تنفيذ الإدارة لهذه السياسات وتصحيح المسار عند اللزوم، وتطرق كوسا للمشاكل الأساسية التي تعاني منها مجالس الإدارة في سورية بأن غالبية الموجودين في مجالس الإدارة هم أعضاء من داخل المنشأة بالتالي عندما يؤخذ قرار بموضوع معين لا يتم أخذ طروحات الأعضاء من خارج المؤسسة بعين الاعتبار، كذلك من المفروض أن يتكون مجلس الإدارة من مجموعة من الاختصاصيين في مجال عمل المنشأة “خبراء سابقين، أشخاص لديهم القدرة على المبادرة والإبداع”، ورؤية جديدة ، كذلك لا يوجد اليوم في مجالس الإدارة مبادرات أو اجتماعات استثنائية لتطوير عمل المؤسسة، ناهيكم عن غياب القدرة عند مجالس الإدارة في القراءة الحقيقية للواقع الاقتصادي في البلد ورسم سياسات المؤسسة بما يتوافق مع الاحتياج الحقيقي للاقتصاد، وأكد كوسا أن مجالس الإدارة هي واقع مطلوب ولا يكتمل عمل المؤسسات دونها لذا من المفترض أن تأخذ دورها الحقيقي باعتبارها اللاعب الأساسي لنجاح أو فشل الخطط الاستراتيجية، وألا تترك دورها للإدارة كما تفعل اليوم.
تحجيم دورهم
في المقابل وجد الدكتور عابد فضلية أن دور مجالس الإدارة في الشركات الخاصة ناجح على عكس دورها في المؤسسات والشركات التابعة للقطاع العام، ذلك لأن ممثلي مجالس الإدارة في الشركات الخاصة هم من ذوي الصلة والعلاقة بالشركة بالتالي يكون دورهم جدّياً وفعلياً بشكل أكبر، فصلاحيات مجالس الإدارة في القانون الناظم لعملها قليلة ومسؤولياتها كبيرة، كذلك إن مجالس الإدارة في القطاع العام لا تتبرأ ذمتها إلا بعد مرور سنوات عديدة، ناهيكم عن أن تعويضات مجالس الإدارة ضئيلة، إضافة لذلك فإن صلاحيات مجلس الإدارة غير واضحة في القانون لينتج خلط في التطبيق بين مهام الإدارة الحقيقية للمؤسسة ومهام مجلس الإدارة، وأكد فضلية أن قرارات مجالس الإدارة هي قرارات ضعيفة كونهم غير مطّلعين على العمل التنفيذي للمؤسسات وليس لديهم فكرة عن حقيقة ما يجري في الشركة والمطلوب منهم اتخاذ قرارات كبيرة للشركة، وبالتالي فإن دورهم ضئيل ومحجّم وقراراتهم غير فاعلة.
بين النقد والإيجاب
ولأن أهل مكة أدرى بشعابها اتجهنا بالسؤال عن فاعلية وجدوى وجود مجالس الإدارة لدى أعضاء مجالس الإدارة ليؤكد لنا غسان السوطري “عضو مجلس إدارة في المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية” أن هذه المجالس لا تقوم مطلقاً بالغاية التي أوجدت من أجلها، فلا تطرح في المجالس كافة المواضيع المتعلقة بالمؤسسة ليُبقي مديرو المؤسسات بعض المواضيع متنحية عن طاولة اجتماعات مجالس الإدارة لأسباب غير واضحة، لينحصر عمل مجلس الإدارة بحضور الاجتماعات حسب الحاجة، أما اتخاذ القرارات فينفرد بها مدير المؤسسة دون اطلاعنا عليها، وهذه الطريقة من العمل غير مجدية وغير صحيحة فمجلس الإدارة يجب أن يكون على اطلاع على كافة المواضيع ويقود ويوجه عمل الشركات وهذا ما نفتقر له بسبب عدم اكتمال البنية التشريعية للمؤسسات والتي لا تخدم عملها، إذ يفترض أن تتحمل المؤسسات مسؤولياتها تجاه الشركات، لكن ما يحدث أن المؤسسة تعيد كل ما يأتيها من الشركات إلى الشركات ذاتها لتحملها المسؤولية، كذلك في كثير من الأحيان يتغيب رئيس مجلس الإدارة عن الاجتماع فيقوم مدير المؤسسة بالدورين معاً، وقدّم السوطري رؤية لتطوير عمل مجالس الإدارة من خلال ضرورة عقد اجتماعات بشكل أسبوعي يتم خلاله تحديد الشركات المتعثرة والمشاكل التي تواجهها ليصبّ جلّ الاهتمام بها، وأن يعاد النظر بدور ومسؤولية مجلس الإدارة تجاه الشركات والمؤسسات، وأن يكون عضو مجلس الإدارة صاحب قرار وقادراً على تحمّل نتائج قراراته في المواضيع التي تطرح خلال الاجتماع.
في المقابل لم يتفق ياسين صهيوني”عضو مجلس إدارة في المؤسسة العامة للصناعات الغذائية” مع السوطري في الرأي بخصوص أداء مجالس الإدارة حيث أكد أن مجالس الإدارة ترسم برامج تتعلق بالمؤسسات والشركات التابعة لها، وكل أعضاء مجلس الإدارة لهم مسؤوليتهم ووجودهم ورأيهم في مجلس الإدارة ولا يختلف دور الأعضاء الموجودين في المؤسسة عن الأعضاء من خارج المؤسسة، وعلى عكس ما يقال إن مجالس الإدارة هي مناصب فخرية، بل يتم اختيار أعضاء المجلس بعناية فائقة وبدقة ممن يمتلكون الخبرة والتخصص في المجالس التي هم أعضاء بها، وأكد صهيوني أن قرارات المجالس تعتمد على كل ما يأتيها من اللجان الإدارية والمجالس الإنتاجية بالأفرع، وتؤخذ جميع الدراسات المرسلة إليهم بعين الاعتبار وبالتالي يستنبط مجلس الإدارة حلولاً معينة ويطرحها للنقاش ولا يصادر حق أي أحد بالمطلق بإبداء رأيه، ونفى صهيوني أن يتخذ مجلس الإدارة قرارات ارتجالية غيابية دون الاطلاع على الواقع الحالي من خلال ما يرد من اللجان الإدارية والجولات والكشف الحسي على مواقع العمل، لتكون قرارات المجالس جماعية مستندة للجان فنية ومالية باعتبار أن هناك مسؤولية ومحاسبة تقع على مجلس الإدارة بالتالي لا بدّ من توخي الحيطة والحذر في اتخاذ أي قرار، وهذا ما أكد عليه رئيس الحكومة عندما قال إن مجالس الإدارة تتحمل المسؤولية كاملة ولها مطلق الصلاحية في أي قرار تتخذه وفي حال تعثر أي مجلس يُعاد تشكيله من جديد.
ميس بركات