مع الأحداث جريمة بطعم الابتزاز
لم يبق زعيم غربي إلا وأدلى بدلوه في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولم تبق وسيلة إعلام عربية وأجنبية إلا وتناوبت على سرد تفاصيل الحدث، وكأنها كانت في موقع الجريمة، واللافت من وراء كل هذه البروبوغاندا أن رؤساء الدول الأوروبية تحديداً، وبعض السائرين في الركب الأمريكي، رفعوا الصوت لوقف مبيعات الأسلحة للنظام السعودي، لكن ما علاقة بيع السلاح والتجارة في الجريمة؟. الجواب هنا لا يحتاج إلى عناء كبير، لأن الهدف واضح كشمس النهار، وهو توظيف الجريمة في ابتزاز خزان النظام السعودي المالي.
عندما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريداته الشهيرة بأن على حكام السعودية الدفع مقابل الحماية، كان في الواقع يعطي الإشارة لبائعي الأسلحة بأن يبتزوا ملوك وأمراء البترول، كونها الفرصة الأخيرة بعد صعود الصين وروسيا إلى واجهة الخارطة السياسية، لهذا فإن جريمة الخاشقجي ليست إلا “كعب أخيل” لمزيد من الابتزاز المالي، وليست دفاعاً عن الإنسانية، كما تتشدق أمريكا والدول الأوروبية، لأنها لو كانت حقيقة تُعنى بحقوق الإنسان، كان الأجدى بها أن تدافع عن الشعب الفلسطيني الذي يستشهد منه مواطن على الأقل كل يوم منذ عام 1948 وحتى الآن، وأن تمنع تصدير الإرهابيين، وتزويدهم بالسلاح والمال لقلب أنظمة منتخبة ديمقراطياً تحت مسمى “الربيع” والثورات الملونة هنا وهناك.
ومع كل يوم تخبو ارتدادات الجريمة نتيجة الاتصالات التي يقيمها المبتزون مع النظام السعودي، ولم يكن خطاب رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إلا دليلاًَ كبيراً على ذلك، وهو الذي وعد بأنه سيقدّم الحقيقة مهما كلفه الثمن، لكنه لم يقدّم أي دليل حسي، بل دخل في بازار الابتزاز، وقدّم خطاباً لا يوصل إلى أي نتيجة، وكل ما قدّمه تمنيات من النظام السعودي لكشف المجرمين، أي إنه لا شك سيقبض ثمن سكوته ومواربته، والخطاب الباهت لم يكن إلا من باب الدهاء السياسي، فهو جاء بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو إلى مملكة آل سعود، ولقائه أردوغان، ما يؤكّد أن الرجل يسعى للحصول على تعويضات اقتصادية من النظام السعودي، وربما تنازلات استراتيجية، خاصةً أن تركيا تعاني هذه الأيام من الارتفاع المستمر في معدلات التضخم، وتهاوي العملة المحلية، ولهذا فإن التكتيك التركي المتمثّل في مواصلة تدفق أخبار وتسريبات ومعلومات مثيرة تتصدّر الصحف، الهدف منه إبقاء الاهتمام الدولي منصباً على قضية خاشقجي لمزيد من الابتزاز، وفتح قنوات حوار مع أمريكا التي تخلّت عنه جزئياً يعيد الدفء إلى العلاقات.
الآن تريد إدارة ترامب أن تنتهي من هذه القضية عبر تحميل المسؤولية لعناصر “مارقة”، لكن يبدو أنها لن تنتهي قريباً رغم الإغراءات المالية السعودية، لأن اتساع جرائم النظام السعودي، ونشر الفوضى والبلبلة في المنطقة، جعل الرئيس ترامب مهزلة الإعلام، خاصة “الواشنطن بوست” ثاني أكبر صحيفة في أميركا، والتي أحرجت ترامب، وجعلته حائراً في ردود فعله، ومناقضاً نفسه على مدار الساعة.
علي اليوسف