خاشقجي.. وأزمة الوهابية
أثارت قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ضجة كبيرة على الساحة الدولية، وحاولت بعض وسائل الإعلام الأجنبية وبعض الحكومات الغربية، إظهاره كما لو أنه بطل وناشط في مجال حقوق الإنسان، فأكسبته بعد مماته شهرة لم يكن يحلم بها في حياته.
الصحفي الفرنسي رينيه نبعة أدلى بدلوه إزاء هذه القضية واضعاً النقاط على الحروف معرياً حقيقة جمال خاشقجي، وذلك في مقال وجيز له نشره أحد المواقع الفرنسية المستقلة وأشار فيه إلى أن خاشقجي ليس سوى منتج صاف من الوهابية التكفيرية، وليس غيضاً من فيض حرية الصحافة في مملكة النفط، إلا أن مقتله قد ضخم مسيرته، وأضاف: “ابن شقيق عدنان خاشقجي، تاجر السلاح السعودي الذي تمّت التضحية به، كشف النقاب عن فساد نظام استبدادي حظي بحماية مفرطة من قبل “الديمقراطيات الغربية العظيمة”.
جمال خاشقجي هو واجهة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة” (1980-1989)، والمدير المساعد لـ تركي الفيصل الرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات السعودية وولي الأمر المباشر للفيلق الإسلامي، الذي شارك في حرب أفغانستان. والأهم كان الرجل غارقاً في الفكر الوهابي التكفيري لدرجة أنه تباهى بجرائم “داعش”، وهو لم يوجه نيرانه على الإطلاق ضد “إسرائيل” وإنما ضد سورية وإيران. لقد جاءت الروايات السعودية العديدة حول مقتله لتتوافق بشراسة مع أهداف الحلف الأطلسي الذي لعب دوراً في اختياره كمساهم في الواشنطن بوست.
في الواقع أجرى ولي عهد النظام السعودي القطيعة مع أسلافه في أعقاب المصيدة التي وقع فيها 300 شخص من مسؤولي النظام السعودي في الرابع من تشرين الثاني 2017، ما أدى إلى القبض على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والأمير وليد بن طلال، الذي كان خاشقجي مديراً لمجموعة وسائل الإعلام التابعة له، وهي مجموعة روتانا الإعلامية. وحالياً، يتمّ احتجاز ما يقرب من 1500 شخصية سعودية بشكل تعسفي في المملكة دون محاكمة بذريعة مكافحة الفساد، في بلد يعد من بين أكبر الدول الفاسدة على الأرض.
كان خاشقجي، رفيق درب جماعة “الإخوان المسلمين” من خلال وظائفه، كاتم الأسرار المظلمة للسلالة الوهابية، ومع ذلك تعرّضت جثته لتقطيع شنيع في قنصلية بلاده في أرض أجنبية، ما أفسح المجال أمام نظام أردوغان ليشرح ويفجّر قنبلة التسريبات عن ملابسات الجريمة من دون تبرير ذلك.
والسؤال: بأي حال من الأحوال تباهى خاشقجي وأثنى على ما قام به إرهابيو “داعش” بقطع رؤوس 17 جندي سوري مبرراً لهم جريمتهم بأنهم “الدواعش” يعرفون جيداً ما يفعلون في تغريدة له على تويتر؟.
لم يدع المهندس السابق لحملة تجميل صورة المملكة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من الفساد المستشري فيها واختفاء معارضين كثر فيها، أثناء وجوده في المنفى في الولايات المتحدة منذ عام 2017، أبداً إلى الفتنة، ولا إلى أي ثورة أو لتغيير النظام في السعودية. جريمته الوحيدة أنه لم يبايع زعيم المملكة الجديد، وولي عهده محمد بن سلمان، والثانية إنشائه جمعية “الفجر-داون” للدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية، والتي حظيت بدعم مالي كبير من الشخصيات الخليجية التي ترغب في تعزيز التغيير السلس في ممالك النفط.
إن محاولة إدارة ترامب اليائسة لتبرئة الأمير الدموي، الذي تلطّخت يداه بدماء اليمنيين، ستتواصل طالما تستمر حاجتها للنفط السعودي الخام. بالمعنى المزدوج للمصطلح: النفط السعودي ووحشية حكامه هما اللذان أقاما نظام حكم استبدادي وفاسد للمضي قدماً على خطى الأساليب السعودية السريعة.
ولكن هذا لايعني أن قضية خاشقجي ستتم التغطية عليها من خلال صفقة بين النطام السعودي وأمريكا والنظام التركي. فحقيقة الأمر أن الوهابية كنظام حكم هي في أزمة حقيقية تتعدى الحدود، وربما تقضي على طموح الأمير الصغير والذي باتت رقبته في أيدي الغرب ولن ينجح بعد اليوم في تغيير الصورة الراسخة في أذهان العالم بأن الوهابية هي المصدر الأول لتصنيع وتصدير الإرهاب.
هيفاء علي