كيف قرأ ابن خلدون مصير آل سعود؟!
ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة
يعتقد ابن خلدون، المؤرخ وعالم الجغرافيا والمنظّر الاجتماعي الشهير، أن الانحلال يؤدي إلى انهيار السلالات الحاكمة، ويرى “دانيال لازار” أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يحدث مع آل سعود.
تفيد التقارير بأن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بدأ يفقد سيطرته، وقد تعثر برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه، منذ أن قام والده، الملك سلمان، بتجميد خطط خصخصة 5% من شركة النفط السعودية “أرامكو”، وقد دخلت السعودية، أكثر من أي وقت، في مأزق نتيجة الحرب التي شنها الأمير في آذار 2015 على اليمن.
أثار إطلاق نار كثيف في الرياض في نيسان الماضي شائعات بأن محمد بن سلمان قُتل إثر انقلاب في القصر، وقد حث أمير سعودي في المنفى، في أيار الماضي، قيادات العائلة المالكة على الإطاحة به، ووضع حد لحكمه “غريب الأطوار وغير العقلاني”، وذكر بروس ريدل، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكينغز، “أن الأمير خائف للغاية على حياته لدرجة أنه يقضي ليالي على يخته في ميناء جدة على البحر الأحمر”.
ماذا يعني كل ذلك؟ الشخص الذي يجب أن نسأله هو ابن خلدون، المؤرخ والمنظّر الاجتماعي الشهير الذي توفي عام 1046، لكنه لا يزال أفضل دليل للاطلاع على الأزمة السعودية المتفاقمة.
لو كان بإمكاننا الحديث صراحة، فالرسالة – باختصار – هي أنه في حال رحل ابن سلمان، من المرجّح أن يأخذ معه آل سعود، وأن الأشخاص الذين ينتظرون دورهم لن يكونوا أولئك “المعتدلين” الذين ترغب بهم واشنطن، بل “داعش” والقاعدة. إن دولة حديثة مليئة بمراكز التسوق والطرق السريعة والأسلحة المتطوّرة ستخضع لميليشيا تقوم بركوب شاحنات تويوتا، وتلوح ببنادق كلاشنكوف.
فر ابن خلدون من طبقة الأغنياء إلى شمال أفريقيا بعد سقوط إشبيلية عام 1248، وهو أحد أبرز الشخصيات في أواخر العصور الوسطى، وقد كتب “المقدمة”، وهي عبارة عن كتاب/ مقدمة لمؤلفه الضخم الذي يقع في ستة مجلدات تُعنى بالتاريخ العالمي، والذي قال عنه المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أنه “بلا شك أعظم عمل من نوعه أبدعه أي عقل في أي زمان ومكان”، ووصف أرنست جيلنر، عالم الأنثروبولوجيا، ابن خلدون بأنه رائد علم الاجتماع الحديث. “المقدمة”، وهي خليط غريب من الإيمان والقدر والعلم، تشتهر بتأملها في موضوع الصراع بين الحضر والرحّل وديناميكات صعود، وتفسخ السلالات الحاكمة.
يرى ابن خلدون أنه كقاعدة عامة، لا تمتد حياة سلالة حاكمة مدة تزيد على ثلاثة أجيال، إذ يحتفظ الجيل الأول بالطبائع الصحراوية، قسوة الصحراء، والاستراتيجية الصحراوية.. ويتصفون بحدة الطباع وأنهم يبعثون على الخوف بشكل كبير، يخضع لهم الناس؛ ويتغير الجيل الثاني من السلوك الصحراوي إلى الثقافة المستقرة، ومن الحرمان إلى الفخامة والوفرة، ومن دولة يشارك فيها الجميع في المجد إلى دولة ينسب فيها رجل واحد كل المجد لنفسه؛ وينسى الجيل الثالث تماماً فترة الحياة الصحراوية وقساوتها، وكأنها لم تكن موجودة أبداً.. وتصل الرفاهية إلى ذروتها عندهم، ويعيشون حياة رخاء ويسر.
يؤدي التحلل إلى الانهيار حيث يتجمع الأصوليون الشرسون البدو في الصحراء، ويستعدون لإنزال العقاب على سكان المدن بسبب التراخي الديني. “هناك حاجة إلى تطهير جديد للإيمان” كما أوجز فريدريك انجلز، الذي قرأ ابن خلدون، و”تبدأ اللعبة مرة أخرى من البداية”.
إنها دورة متكررة أثبتت صحتها فيما يتعلق بعدد كبير من السلالات الحاكمة منذ القرن السابع.
والسؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كانت هذه القاعدة ستنطبق على السعوديين، وهو ما يبدو حتى الآن أنه سيحدث، إذ يجسّد ابن سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، بتحالفه مع الوهابية، النسخة المحلية من الأصولية المتطرّفة، مفهوم ابن خلدون للمقاتل الصحراوي القاسي الذي يستخدم الدين لحشد القبيلة في طريقه إلى العرش. وفي عام 1932، عندما تولى سعود السلطة، أثبت أنه سياسي صارم وحذر قمع التمرد، وألّب بريطانيا وأمريكا على بعضهما البعض لترسيخ عرشه.
لكن الأبناء الستة الذين أعقبوه كانوا مختلفين. كان سعود الأول مفرطاً في الإنفاق، فجعل المملكة على شفا الإفلاس، وكان الثاني، أي فيصل، مستبداً، لدرجة أنه اعتقد أن الشيوعية وليدة الصهيونية بطريقة ما. كان خالد الذي تولى السلطة عام 1975، ملكاً غائباً أُصيب بالشلل عندما استولى مئات المتمردين على المسجد الحرام في مكة، في تشرين الثاني 1979، واستلزم الأمر استدعاء القوات الفرنسية الخاصة لإنقاذ الأسرة الحاكمة. كان فهد، الذي خلفه على العرش عام 1982، يعاني من البدانة والسكري، كما كان مدخناً شرهاً سقط في النهاية ضحية سكتة دماغية شديدة. وكان عبد الله، خليفته أيضاً مريضاً ومصاباً بالبدانة؛ في حين أن سلمان، الذي تولى العرش عام 2015 عن عمر يناهز 79 عاماً، أصيب بسكتة دماغية واحدة على الأقل، ويقال إنه يعاني نوعاً من الخرف.
النتيجة هي أن الأسرة الحاكمة في حال من التدهور، إذ يجسّد ابن سلمان، الذي تسلّم ولاية العرش، عام 2015، كل الحماقة والانحلال التي نسبها ابن خلدون إلى الجيل الثالث. إنه أكثر نشاطاً من والده، ولكنه، وكما يتوقع المرء من شخص أمضى حياته بأكملها بين ثروات عظيمة، عنيد وغير عملي ويفتقد للنضج. قام والده بتعيينه وزيراً للدفاع في سن التاسعة والعشرين، وأعلن الحرب على اليمن بعد ذلك بشهرين، ثم ذهب لقضاء عطلة فاخرة في جزر المالديف.
بعد عام، كشف ابن سلمان عن “رؤية 2030” خطة التنمية الضخمة التي تهدف لإلحاق المملكة بركب القرن الواحد والعشرين من خلال تنويع الاقتصاد، وتخفيف قبضة الوهابية المتعصبة جداً، ووضع حد للإدمان المزدوج للبلاد على عائدات النفط والعمالة الأجنبية الرخيصة. في بلد ينتظر فيه الشباب لسنوات الفرصة للحصول على وظيفة حكومية مريحة، كان الهدف هو إعادة الحوافز لتشجيعهم للالتحاق بوظائف القطاع الخاص.
لم تنجح الخطة، كما أفادت مؤخراً، وفي لحظة نادرة من الصراحة، صحيفة موالية للحكومة، ذلك أن الآلاف من أرباب العمل يتهربون من حصص التوظيف الحكومية عن طريق دفع العمال السعوديين لعدم المجيء. يقول أصحاب العمل: إن الشبان والشابات السعوديين كسالى وغير مهتمين بالعمل، ويتهمون الشباب السعودي بتفضيل البقاء في المنزل بدلاً من القيام بعمل منخفض الأجر لا يليق بالوضع الاجتماعي للباحثين – السعوديين – عن العمل.
غادر البلاد نحو 800 ألف عامل أجنبي في وقت كان يفر فيه رأس المال في أعقاب حملة ملاحقة واعتقالات شاملة، في تشرين الثاني، سيق فيها مئات من الأمراء ورجال الأعمال إلى فندق ريتز كارلتون في الرياض، حيث أجبروا على تسليم المليارات من أصولهم المالية. انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من 7.5 مليار دولار إلى 1.4 مليار دولار منذ عام 2016، في حين أن سلسلة من المشاريع الاستراتيجية أصبحت معرضة للخطر الآن بسبب تأجيل خصخصة شركة آرامكو السعودية، والتي كان بن سلمان يعتمد عليها كمصدر للدخل.
وفي الوقت الذي منح النساء رخص القيادة، قام بن سلمان بسجن مناصرات حقوق المرأة، وهدد رجل دين منشق وخمسة ناشطين معارضين بعقوبة الإعدام، وضيق الخناق على المنشورات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي. إنه يعظ مواطنيه بالتقشف والعمل الشاق، لكنه ينفق 500 مليون دولار على يخته، و450 مليون دولار للوحة ليوناردو دافنشي، و300 مليون دولار ثمن قصر في فرنسا.
أما بالنسبة للأصوليين الجوعى الذين قال ابن خلدون: إنهم سينفذون الضربة النهائية، فلا شك أن من يلائم هذا الوصف هم داعش والقاعدة، فكلتاهما تتصفان بالعنف، وتنزعان للحرب والتدين، وكلتاهما تهاجمان النظام السعودي الغارق في الفساد بعنف، وكلتاهما لا ترغبان بشيء أكثر من التباهي بوضع رأس ولي العهد على رمح.
في آيار، شجب تنظيم القاعدة الإصلاحات الدينية السعودية ووصفها بـ “الهرطقة”، وحث رجال الدين للوقوف ضد “الإسلام المعتدل والمنفتح الذي يعرفه كل المتفرجين بـ (الإسلام الأمريكي)”. وفي تموز، تبنى تنظيم “داعش” هجوماً على نقطة تفتيش أمنية سعودية، ما أودى بحياة ضابط أمن وأجنبي مقيم. وفي آب، اتهم أبو بكر البغدادي، متزعم تنظيم “داعش”، النظام الحاكم بـ “محاولة تحويل السعودية إلى دولة علمانية وتدمير الإسلام”.
في الوقت نفسه، تتمتع المجموعتان بدعم واسع داخل المملكة، فقبل الهجوم على مركز التجارة العالمي ساعد السعوديون الأثرياء، بمن فيهم أعضاء من الأسرة المالكة، في تمويل تنظيم القاعدة بمبلغ وصل إلى 30 مليون دولار في السنة، بحسب كتاب لـ أنتوني سامرز وروبين سوان حمل عنوان “اليوم الحادي عشر.. القصة الكاملة لأحداث 11 أيلول وأسامة بن لادن”.
في عام 2009، قامت وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، بإقرار مذكرة دبلوماسية مفادها أن “المانحين في المملكة العربية السعودية يشكلون أهم مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم”. وقد ذهب أكثر من ثلاثة آلاف سعودي إلى سورية والعراق للانضمام إلى القاعدة و”داعش” والمجموعات الأصولية الأخرى، وبمجرد عودتهم إلى ديارهم قد يشكل هؤلاء “الجهاديون” طابوراً خامساً يهدد الأسرة المالكة أيضاً.
حقيقة.. يمكن للأسرة المالكة المتداعية أصلاً أن تسقط اليوم مثل ثمرة ناضجة.