نوافذ 47
عبد الكريم النّاعم
قال له الذي في داخله، والذي لا يكفّ عن التفكير والكلام حتى وهو يتوسّد وسادة النّوم: “الذي تنتظره سيصلك، فلا تُبدّد وقتك بانتظاره”.
ردّ عليه: “هذا كلام سهل في النّطق، شاقّ في التّنفيذ، لأنّ مَن يصل إلى تلك المرحلة التي ذكرتَها يكون قد اجتاز نصف قوس (القُدرة) ولا أقول (قوس قزح)، لأنّه قرّ في ذاكرتي قول قرأتُه يقول (قزح) اسم الشيطان، أبعدَ الله عنّي وعنك الوساوس
*****
في جلسة جمعتْني، ذات زمن، بأحد أثرياء الخليج، ذكر أنّه تزوّج سبعة عشر زواجا (مِسْيار)، فقلت له: “كلامك استحضر لذاكرتي أنّ الإمام عليّ (ع) كان في جمْع فمرّت امرأة باهرة الجمال، فارتفعتْ إليها الأعين، فقال (ع): “مالي أرى أَعْيُنَ هذه الفحول طوامح؟ إذا شاهد أحدُكم امرأة أعْجبتْه فلْيأْتِ أهلَه، فإنّها امرأة كامرأة”، فقال الثريّ بلهجته: “إيش هالحجي، ما هنّْ واحد”،؟ – ما هذا الكلام، لسْنَ واحدة،- قلت له بابتسامة ذات مغزى: “وضعتَتي أمام إمّا أنّ أصدّقك أو أصدّق الإمام، وأنا أميل إلى تصديق من هو أنموذج لا يُطاوَل في صدقه، وأظنّ يا صاحبي أنّ الفارق بين اثنتين أو أكثر، كما تقول تجربتك، هو في الحضور النّفسي، والجمالي، وما يشعّ منهما، ففي هذا يتفاوتْن، وأنت خلطتَ هذا بذاك”.
قال بلهجة لا تنمّ عن الاقتناع، بل عن التسليم: “يجوز”…
******
قال لي الذي في داخلي، وفي داخل كلّ منّا شخص آخر، يعيش معه، ويحاوره، ويتجاذبان أطراف الأفكار، ولو قلتَ لأيّ عاقل إنّ فلانا يحدّث نفسه لقال لك: “هذا مجنون”، لا.. يا سيدي، كلّنا نكلّم أنفسنا، ولولا ذلك لكانت الوحدة التي يعيشها البعض قطعة مسعّرَة من جهنّم.. قال لي الذي في داخلي والذي لا أخجل من الكلام عنه، ومعه: “لماذا تكتب”؟
قلت: “لماذا يغرّد الحسّون”؟
قال: “لا تهرب إلى منطق الشعر وجُمله الجميلة المُلتَبسة”
قلت: “أنا لا أهرب، ولكنْ أسالك فعلا لماذا يغرّد الحسّون”؟
قال: “بحسب رأيي، هي حالة من التعبير عمّا في أعماقه”
قلت: “لكلّ إنسان طائره الخاص به، يعبّر عن نفسه، بعض هذه الطيور حساسين وشحارير، وبلابل، وبعضها غربان، وحدآت، ومن أكَلة الجيف”
قال: “ألا تراجع نفسك قليلا؟ ألا ترى أنّك قلت الكثير شعرا ونثرا، وبعضه مكرّر، ومع ذلك تصرّ على المتابعة، أما آنَ أن ترتاح”؟!
قلت: “أنت لست ناصحا في قولك هذا، لا يرتاح من الحوار المستمرّ في اليقظة، وأحياناً في النّوم، إلاّ الميت، الميت وحده تغادره تلك اللطيفة الإلهيّة فيتحوّل الجسد إلى جيفة، يستعجل النّاس في دفنها للتخلّص منها، أظنّ يا صديقي أنّ التّوفيق لم يحالفْك فيما ذهبتَ إليه من أفكار، وأَعِدُك أنّني سأظلّ أحاور نفسي، وأنت منهم، والآخرون، مادمتُ قادرا على ذلك، فإذا عجزت فذلك بسبب العجز، وليس مطلبا.
aaalnaem@gmail.com