دراساتصحيفة البعث

حرب عالمية ثالثة.. انتحار جماعي

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع ريزو انترناسيونال 27/10/2018

استخدام الأسلحة المتاحة لدى الولايات المتحدة وروسيا والصين سوف يدمّر كل أشكال الحياة على الأرض، الجميع سيموتون ولن يكون هناك رابحون ولا خاسرون، وستتحول الأرض إلى جحيم بعد تدمير الحياة كلها.

لم نعد في حروب تدور رحاها في ميدان المعركة بمئات الآلاف من الجنود على كلا الجانبين، ولم نعد في تلك الحروب التي كانت تعتمد على طائراتها المقاتلة وغواصاتها وحاملات طائراتها، اليوم لم يعد الأمر كذلك!.

الحرب اليوم التي ستكون أساس الدمار الشامل للعالم هي حرب الدولة العميقة في الإمبراطورية التي تهيمن على العالم للبقاء فيها. الآن، هذه الدولة العميقة للإمبراطورية أمامها شعوب أخرى، وقوى أخرى لا ترغب في الخضوع لها. والبديل هو أن تقوم الدولة العميقة بالانتحار على طريقة “انتحار البقر” لتصبح دولة تمتلك حقوق وواجبات الدول الأخرى نفسها، العالم اليوم لم يعد يقبل بوجود دولة تتوضع فوق القانون.

من المفهوم أن توقعات هذا الطرف أو ذاك ستكون وفق التعبير الشكسبيري “نكون أو لا نكون”، وهي المواجهة العنيفة بين أنصار عالم أحادي القطب وأنصار عالم متعدّد الأقطاب تنادي شعوبه بالسيادة والاستقلالية التامة، وهذا لا يترك مجالاً كبيراً للتوصل إلى تسوية.

نحن هنا على مستوى البدائل الجذرية، الحروب التي تُخاض على أرض الملعب باستخدام الأسلحة الحديثة، من دون استخدام الطاقة النووية، تحظى بما يكفي من الفرص لتقييم الخصم، لحمله على ارتكاب الأخطاء، وخلق التباين والخلاف ووضع الخصم في ظروف غير مريحة تجبره على تقديم التنازلات. وكلما سارعت حرب  البروباغندا الغربية بتشويه صورة الخصم، سارعت الإمبراطورية في فرض نفسها على أنها الآمر الناهي على المتحاربين. حتى الآن، حقّقت هذه الإستراتيجية بعض المكاسب في الرأي العام، ولكن أهم المتضررين من هذه الهجمات عملوا على تفكيك “الشيفرة” الخاصة بهذه الإستراتيجية وطوّروا الوسائل اللازمة لمواجهة هذه الأكاذيب وعمليات الغش والتضليل.

الرواية المزعومة حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل انكشفت خيوطها بسرعة كبيرة، ما آل إلى سقوط مصداقية مؤلفي هذه الكذبة وأصبح الرأي العام محصناً ضد هذه الأكاذيب. في أوكرانيا، وليبيا، وفي سورية، كان الانهيار الجليدي للأكاذيب سريعاً، حيث عملت شبكات التواصل الاجتماعي على كشف أكاذيب هذه الحقائق الزائفة. وعلى الرغم من كل الجهود التقنية والإعلامية التي يبذلها الإعلام البديل لمواجهة عمليات المونتاج والفبركة من جميع الأنواع والجارية على قدم وساق، فإن حقيقة الوقائع تفرض نفسها بقوة أكثر فأكثر. يجب أن نمنح المصداقية وندين بالمعروف لكافة الشبكات الاجتماعية والمدونات عالية الجودة التي تدين هذه الأكاذيب وترسّخ حقيقة الوقائع.

لقد أخفقت الحروب في أوكرانيا وسورية واليمن إخفاقاً مدوياً ولم تسفر عن النتائج المتوخاة من قبل الغرب. فهل سيتجاوزها ويخطو نحو  الحرب في أمريكا اللاتينية، مستهدفاً فنزويلا ونيكاراغوا؟. لقد سُمعت تهديدات عن مثل هذا التدخل منذ أعوام عدة. هناك العديد من الأسباب، بما فيها تلك المتعلقة بثروات هذه البلدان وتغيير نظام هذه الحكومات الاشتراكية. إن مثل هذه التدخلات ستنطوي حتماً على تدخل روسيا والصين، اللتين تربطهما علاقات وثيقة مع كل من هذين البلدين، وما هو أكثر من ذلك، لديهما مشاريع مشتركة ذات أهمية كبيرة. إن وجودهما في أمريكا اللاتينية يقابله الوجود الأمريكي في العديد من بلدان أوروبا الشرقية وآسيا، إضافة إلى القواعد العسكرية الأمريكية المتعددة في أمريكا اللاتينية، كولومبيا وحدها تضمّ على أراضيها سبع قواعد، وهي المتاخمة لفنزويلا.

الوجود العسكري لروسيا والصين في أمريكا اللاتينية سلاح ذو حدين: فبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، سيكون لديهم كل المساحة لإدانة هذا الوجود غير المرحب به من قبل جميع دول أمريكا اللاتينية. وبالنسبة للصين وروسيا، سيؤدي هذا التقارب إلى تعميق روابطهما مع بعض البلدان في المنطقة، وسيترك مجالاً للتفاوض لسحب القواعد العسكرية الأمريكية من أوروبا وآسيا مقابل سحب قاعدتها العسكرية الخاصة في فنزويلا ونيكاراغوا.

في سياق مثل هذا السيناريو لغزو عسكري أمريكي في فنزويلا ونيكاراغوا، سيكون الأساقفة في كلا البلدين متورطين وشركاء مباشرين به، حيث مهّد نشاطهم السياسي في السنوات الأخيرة الطريق للحرب. إذ يمكنهم التعويل على مؤتمر أمريكا اللاتينية الأسقفية (CELAM) وبشكل خاص على الأسقفية الكولومبية التي تفسح المجال لهذا النوع من استراتيجيات التدخل لتشويه صورة الحكومات المستهدفة أمام الرأي العام.

إذا كان البطريرك فيلاريت، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا المدافع الكبير عن فكرة تغيير النظام وناقد شديد لروسيا، فإن شيئاً من هذا القبيل يجري الآن في فنزويلا ونيكاراغوا. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤدي إلى الانقسام في الكنيسة، كما كانت الحال في الآونة الأخيرة بين الكنيستين الروسية والأوكرانية. في هذا السياق، ثمّة قول مأثور يقول: لا يوجد انقلاب، ولن يكون هناك أي تدخل عسكري في أمريكا اللاتينية من دون دعم الكنيسة التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الليبرالية الجديدة، سيّدها ومعلمها ليس سوى العم سام. إن الحساسيات السياسية والتدخلات البابوية لا يمكن أن تحرك دولة الفاتيكان إزاء هذه العلاقات التفضيلية مع واشنطن.