في تطور متسارع للحراك السياسي.. “نداء تونس” يفكّ الارتباط مع “النهضة”
تونس- البعث خاص- محمد بوعود:
في تطورّ متسارع للحراك السياسي في تونس، أصدر حزب نداء تونس مؤخراً، بيانين مختلفين، الأول عن قيادته وقعه الأمين العام الجديد سليم الرياحي، أعلن القطيعة مع حركة النهضة، وانضم رسمياً للمعارضة، وأعلن أنه سيسعى لتشكيل حكومة مع القوى الوطنية من دون حركة النهضة، والثاني عن قواعده يرفض الاعتراف بالقيادة الجديدة للنداء ويعتبر الحزب قد وقع تسليمه لغرباء عنه، ويصرّ على ضرورة استعادة ابن الحزب يوسف الشاهد لمكانته في النداء، ويتمسّك بالمصالحة الداخلية قبل التشاور مع الآخرين وقبل التفكير في تحالفات حكومية قادمة.
ولعل اللافت في بيان قيادة نداء تونس، اللغة العنيفة التي استعملها لأول مرة ضد حركة النهضة، حليفته في الحكم منذ انتخابات 2014، والتي وجّه لها العديد من التهم، ليس أقلها أنها تحاول الاستحواذ على السلطة، وتزوير إرادة الناخبين، والتجسس على الوزراء والشخصيات الرسمية والإساءة لعلاقات تونس ببعض الدول الصديقة والشقيقة.
وجاء في البيان، الذي وقعه سليم الرياحي، الأمين العام الجديد للحزب ما يلي:” إنّ الديوان السياسي لحزب حركة نداء تونس المجتمع يوم الأحد 28 تشرين الأول 2018 لتدارس آخر المستجدّات على الساحة الوطنيّة يسجّل ما يلي:
أولاً: خطورة ما جاء على لسان رئيس حركة النهضة الذي كشف أنّ هذه الحركة لم تبتعد عن طبيعتها غير المدنيّة ومحاولاتها وضع يدها على مفاصل الدولة والسعي إلى تغيير إرادة الناخبين عبر فرضها شروط التحوير الوزاري المقبل. كما يستنكر الديوان السياسي تدخل رئيس حركة النهضة في علاقات بلادنا الدبلوماسية بما يمس من المصلحة الوطنيّة ويرهن بلادنا ويقحمها في سياسة المحاور التي تمثّل انقلاباً على العرف الدبلوماسي لدولة الاستقلال.
ثانياً: وإزاء هذا الوضع يعلن الديوان السياسي لحزب حركة نداء تونس استعداده للتشاور مع الطيف الديمقراطي التقدّمي لتشكيل الحكومة المقبلة وطبيعة التحوير الوزاري بدون مشاركة حركة النهضة.
ثالثاً: يوصي الديوان السياسي كتلة حزب حركة نداء تونس البرلمانية بمواصلة تعليق حضورها في الجلسات العامة إلى حين تنفيذ الحكومة لقرار مجلس نواب الشعب بعدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة (الجلسة بتاريخ 26 مارس 2018)، والمطالبة بالتسريع بعرض القانون الأساسي لاستكمال العدالة الانتقالية على مجلس نواب الشعب.
رابعاً: دعوة الحكومة إلى التعامل بشكل جدي مع الوثائق الجديدة التي قدّمتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي من أجل كشف الحقيقة.” ولعل اللافت أيضاً في البيان أنه قصد الاحراج والاستدراج في نفس اللحظة:
– إحراج قيادة حركة النهضة وإظهارها بمظهر من يريد الاستيلاء على كل السلطات بمفردها، وتبيان طبيعتها غير المدنية، وكشف محاولاتها المستميتة في الوصول الى السلطة بشتى الطرق، حتى بالتجسس على الوزراء وبامتلاك جهاز سري، كما جاء في البيان الذي أشار إلى ضرورة مواصلة البحث في الوثائق التي قدمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي تقول أنها تدين حركة النهضة، وتتهمها بإنشاء جهاز سري قد تكون له يد في قتل الشهيدين.
– أما الاستدراج فيتعلق بالسيد يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، والتلويح له بالدعم والمساندة من حزبه نداء تونس، إذا قرر التخلي عن حركة النهضة وتشكيل حكومة من غيرها.
ويدور الحديث هنا في تونس منذ أكثر من أسبوعين عن تعديل وزاري، قال الشاهد إنه تشاور فيه مع حركة النهضة، وقال مسؤولون من الحركة إنهم يستعدون له وأنه سيكون بالتنسيق معهم.
وهو ما يبدو أنه سيكون خطوة جديدة في القطيعة النهائية بين الشاهد وحزبه نداء تونس، والارتماء أكثر في أحضان حركة النهضة، التي لا تخفي في تصريحات قادتها، أن التعديل الوزاري لن يمرّ دون موافقتها على الأسماء المقترحة والأسماء المغادرة، ودون أن تُراعى فيها تمثيلها الحقيقي، وهو ما يبين مباشرة أن التعديل سيكمل تصفية ما تبقى من وزراء موالين للرئيس الباجي قائد السبسي، أو لنجله المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، وسيعزز التواجد النهضاوي في الحكومة بحقيبتين أو ثلاث، ولن يمسّ من وزرائها الحاليين حتى وإن فشلوا في مهامهم، كما أنه من المنتظر أن يُشرّك حزب مشروع تونس، الذي انسلخ سابقاً عن نداء تونس وعارض الحكومة بشدة وشراسة، وتقول الأنباء هنا إنه عاد اليوم لمساندتها والتنسيق مع حركة النهضة من أجل الظفر بحقائب وزارية في التعديل القادم.
ويبقى بيان نداء تونس العنيف تجاه حركة النهضة، والهادئ النبرة تجاه يوسف الشاهد، هو الأبرز في أحداث نهاية الأسبوع، بعد خطاب راشد الغنوشي يوم السبت والذي تحدث فيه بلغة رؤساء الدول وليس رؤساء الأحزاب، وتطرّق فيه الى مواضيع لا تهم إلا من يشعر أنه هو الحاكم الفعلي للبلاد.
لكن بيان نداء تونس العنيف والقاسي تجاه النهضة يبقى نظرياً فقط، وخصوصاً أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنسوب الثقة بين رئيس الحكومة الشاهد وبين الحركة التي وقفت الى جانبه طيلة الأشهر الماضية، وبينه وبين حزبه نداء تونس الذي طالب برأسه منذ أشهر.
فإن استطاع نداء تونس استدراج وإقناع يوسف الشاهد بالعودة الى أحضانه، فإنه قادر حينها بالفعل على تكوين حكومة من دون حركة النهضة، وقادر على تجميع الصفوف وفتح آفاق شراكة مع باقي مكونات المشهد الحداثي المناهض لتواجد الاسلاميين في السلطة، أما إذا فشلت في ذلك وأبقى الشاهد على تحالفه مع النهضة، فإن الانعكاسات أيضاً ستكون خطيرة على نداء تونس، وسيفقد تقريباً كل تواجد له في الحكم وفي دوائر القرار، وبالتالي سيكون كمن جنى على نفسه، ودخل في مواجهة غير مضمونة النتائج ضد حركة النهضة.
ولئن تسرّبت منذ صدور البيان عدة إشاعات عن كون رئيس الجمهورية هو من كتب البيان، أو من أوعز بكتابته بتلك اللغة القاسية ضد حلفاء الأمس خصوم اليوم، الاسلاميون، إلا أن لا شيء يؤكّد أو ينفي ذلك رسمياً، على منوال إشاعة أخرى انتشرت أيضاً منذ الاثنين الماضي مفادها أن رئيس الجمهورية سيفعّل مجلس الأمن القومي في التحقيق والتقصّي على الجهاز السري لحركة النهضة وعن تورطها في مقتل الشهيدين بلعيد والبراهمي، وهو ما لا يوجد عليه أي دليل رسمي أيضاً.
وإذا صحّت هذه التسريبات فإنه يمكن الاستنتاج بسهولة أن المعركة أصبحت مفتوحة ومباشرة وتُستعمل فيها كل الطرق، بين الرئيس الباجي قائد السبسي وبين حركة النهضة، وأن التحالف والائتلاف والتوافق وغيرها من عبارات المديح، صفحة وقع طيّها نهائياً، وأن الأيام القادمة ستشهد ارتفاعاً في نسق معارك السلطة في تونس، في الطريق الى استحقاقات كانون الأول 2019 التشريعية والرئاسية.