ثائر زين الدين: لا يمكن إطفاء شعلة الإبداع
يؤمن الأديب د.ثائر زين الدين بأن الحرية للمبدع هي الأهم في إنتاج أدب معافى، خاصة وأن الحرية هي أسّ كل إبداع، مبيناً في محاضرته التي ألقاها مؤخراً في فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب أن التجارب الإبداعية الأدبية العظيمة التي أُنتجت في مناخات غير سليمة تشهد على أن القمع بمختلف أنواعه لا يستطيع أن يخمد جذوة الإبداع في أرواح المبدعين، والأمثلة برأيه كثيرة لا تحصى ابتداء من “كليلة ودمنة” وصولاً إلى “أولاد حارتنا” و”وليمة لأعشاب البحر” وروايات أميركا اللاتينية وقصائد لوركا وبابلو نيرودا وباسترناك ومحمود درويش ومظفّر النواب وكتابات نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي وغيرهم.
نعمة لا نقمة
واعترف زين الدين أن القمع أحياناً يصبح نعمة على الإبداع بقدر ما هو نقمة لأنه يدفعه إلى ابتكار أساليب وتقانات أخرى ما كان له أن يبتكرها، ويشهد على ذلك تاريخ الأدب، حيث لم يستسلم للقرارات والقوانين السياسية والاجتماعية والدينية التي تصاعدت ومارست كلَّ عنفها ضد المفكرين والشعراء والروائيين على الرغم من أن التيارات الدينية المتعصبة استطاعت مثلاً أن تدفع لاستصدار حكم عام 1996 بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته ورفع دعوى حسبة ضد نجيب محفوظ ومحاولة اغتياله عام 1994 بعد تكفيره على يد مجموعة من الظلاميين بسبب روايته “أولاد حارتنا” وكذلك رفع دعوى حسبة ضد الشاعرين أحمد عبد المعطي حجازي وعبد المنعم رمضان وحملة تكفير حسن حنفي وغيره من المبدعين، وكذلك منع أعمال أدبية من النشر أو التوزيع مثل “وليمة لأعشاب البحر” لحيدر حيدر واغتيال بعض الكتّاب كما حدث مع فرج فودة وعبد القادر علولة.. من هنا بيَّن زين الدين أنه ولتجاوز هذه المعضلة كان لا بد للمبدعين أن يجدوا طرائق مختلفة للتعبير عما يجول في أنفسهم، ولكن بعيداً عن عقابهم ومحاسبتهم على إبداعهم، ومن الأمثلة الباهرة على ذلك في تاريخنا الأدبي قصيدة حميد بن ثور الهلالي التي كتبها في امرأة يهواها ملبساً تلك المرأة قناع الشجرة وهي من أقدم النصوص الشعرية في تاريخ الأدب التي استخدمت تقنية القناع مبكراً، وما ذلك إلا لأن الخليفة عمر بن الخطاب منع التشبب بالنساء فكان من شأن هذا القرار أن يتحف الأدب العربي بتجربة جديدة تلجأ إلى الرمزية دون أن تخمد جذوة إبداعه.
حيل فنية
ولإدانة التعسّف لجأ مبدعون كثر إلى أساليب متعددة جعلوا منها أبواقاً يدفعون بواسطتها آراءهم هرباً من العواقب وذلك بطرائق فنية أبعدتهم عن المباشرة، والهروب بذكاء من عصا الرقيب، منها استدعاء التراث والشخصية التراثية في شعرنا العربي المعاصر حين استحضروا شخصيات إغريقية ورومانية وسومرية وفرعونية وسورية من أبطال أساطير تلك الشعوب وتمكّنوا من خلالها من التعبير عن آرائهم وارتقوا فنياً بأشعارهم حين لجأوا إلى حيلة فنية تمثلت باستعارة أصوات شخصيات تراثية متنوعة، وقد صرح كثير من الشعراء ببعض الأسباب التي جعلتهم يفعلون ذلك، ومنهم بدر شاكر السياب الذي يسوغ لجوءه إلى تلك الحيلة قائلاً : “كان الواقع السياسي أول من دفعني لذلك، فحين أردتُ مقاومة الحكم السعيدي بالشعر اتخذتُ من الأساطير ستاراً لأغراضي”.. ومن التجارب اللافتة في هذا المجال أيضاً أشار زين الدين إلى تجربة الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي وجد في استدعاء التراث وتوظيفه ضالته المنشودة وحاول من خلال ذلك إيجاد أسلوبه الشعري الجديد الذي عبّر عنه، معترفاً أن ذلك تطلب منه معاناة طويلة في البحث عن الأقنعة الفنية التي وجدها في التاريخ والرمز والأسطورة، وكل ذلك للتعبير عن المحنة الاجتماعية والكونية، مشيراً زين الدين إلى أن الشخصيات التي حاول البياتي توظيفها تعود إلى مصادر تراثية مختلفة، مؤكداً أن شعراء كثراً استحضروا الشخصيات التراثية، وكان أحد أهم البواعث لديهم الباعث السياسي، ومنهم الشاعر أمل دنقل الذي تشي عناوين قصائده بذلك: “البكاء بين أيدي زرقاء اليمامة” و”من مذكّرات المتنبي في مصر” و”الكلمات الأخيرة لسبارتكوس” و”من أوراق أبي نواس” و”خطاب غير تاريخي على قبر صلاح الدين”.
وتساءل زين الدين: هل استطاع قمع حكام العراق ومصر أن يمنع السياب والبياتي ودنقل من الإبداع؟ وهل يمكن إطفاء شعلة الإبداع عند الشعراء والروائيين؟
أمينة عباس