من أجل حمايتها البيئة.. خطوات جادة للحد من التعديات.. وتعاون بين المجتمع الأهلي والجهات المعنية
تعرّض ويتعرّض الواقع البيئي لانتهاكات صارخة باتت تهدد كل المنتجات الغذائية، والمائية، والتربة، والهواء الذي نشمه، فأصبحت الحاجة ماسة لإدخال الجانب البيئي في العمل السياسي، ولا يكفي أن نلصق كلمة والبيئة بوزارة الإدارة المحلية التي هي تسمية بلا مسمى، فالوزارة ليست وحدها المعنية بالشأن البيئي، فالذود عن البيئة السليمة هو من مرتكزات العيش الكريم، بل يمكننا أن نقول في التعليم والسكن، لكن أن تصل الأمور البيئية إلى هذا الدرك فهذا يعني خراب دورة الطبيعة، واختلال توازنها، كيف لا وهي من أولويات مسار التنمية والتقدم للبلاد، ويجب أن تشترك فيه كل النخب الفكرية والسياسية للدفاع عن البيئة، ومقاومة أنواع التلوث.
الحقوق الأساسية
مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس اوفى وسوف قال: البيئة النظيفة حق من الحقوق الأساسية للإنسان أينما كان باعتبارها شرطاً أساسياً من أجل العيش الكريم بصحة وسلامة، لكون كل منتج غذائي نهايته عند الإنسان، فيخطئ من يظن بأن حماية البيئة تكمن في إقامة المشروعات الخاصة بالصرف الصحي، وهي خطوة تتبعها خطوات، فتلوث التربة لا يكون فقط من مخلفات المجاري فحسب، وإنما من الانبعاثات الأخرى من منشأ صناعي أو طبي، وهنا الخطورة، أو ري مخلفات لها تأثيرها السلبي على الأرض، وعلى الإنسان، وهذا ما يعرف بالتهديدات الحقيقية لسلامة البيئة، ونظافة المنتج الغذائي.
وتابع وسوف قائلاً: الحكومة تدرك أهمية حماية البيئة نتيجة للتهديدات التي تطالها بسبب جملة المخاطر الناتجة عن التلوث البيئي، لذا فهي منذ سنوات أحدثت وزارة للبيئة، ثم عادت وأتبعتها لوزارة الإدارة المحلية، فمحاصرة ظواهر التحولات المناخية المختلفة، والعمل على اتقائها عبر حالات الرصد المبكر، وإيجاد حلول جذرية للمحافظة على الأراضي الزراعية بما تنتجه من مواد غذائية، فضلاً عن حماية الغابات والشريط الأخضر، يعتبر غاية في الأهمية.
وأشار مدير عام هيئة تطوير الغاب إلى أهمية مراقبة التوجه إلى إنتاج المواد الغذائية المنحدرة جنينياً التي تنطوي على سلبيات عديدة، داعياً إلى تفعيل العمل التطوعي لحماية البيئة بكل مكوناتها النباتية والحيوانية، والتركيز على مبادئ اليقظة والتنمية المستدامة، مشيراً إلى أن كفاءة الموارد تشكّل مدخلاً للتنمية الاقتصادية، وتعزيز النمو الأخضر الشامل، ما يسهم في الانتعاش الاقتصادي.
مشروعات للصرف الصحي
من حسنات مشروعات الصرف الصحي أنها تحافظ على التربة من مخلفات مجاري المنازل، والمشافي، والمسالخ، وغيرها، فمن هذا المنطلق أو من غير قصد تقام هذه الأيام العديد من مشروعات الصرف الصحي في مختلف أنحاء المحافظات السورية، وحماة واحدة منها، فضلاً عن إقامة محطات للمعالجة في كل من مصياف والغاب.
وذكر المهندس وحيد اليوسف، مدير عام الشركة العامة للصرف الصحي بحماة، أن العمل جار بشكل جيد في العديد من الخطوط الإقليمية للصرف الصحي، وهذا من شأنه أن يحافظ على سلامة مجاري الأنهار، والينابيع، والمسطحات الخضراء، فقد رصد رئيس الحكومة لمحطة معالجة مصياف مليارين ونصف المليار، فضلاً عن غيرها من مشروعات الصرف الصحي.
مصادر في مديرية موارد حماة المائية قالت: إن العمل على خلق مقاربات ومبادرات واقعية ومستقبلية بناءة لمعالجة المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية من شأنه أن يسهم في تحسين السلامة العامة، وصولاً إلى منتج غذائي زراعي خال من المخلفات، ومن المتبقي الناجم عن استعمالات مياه الصرف الصحي، وغيرها من المواد الأخرى، وهذا من حق المواطن في العيش الكريم في بيئة سليمة ونظيفة، ولكن للأسف لا تشكّل هذه القضية اهتماماً كبيراً للمعنيين!.
توحيد الرؤى
إن التلوث البيئي لا يعرف حدوداً، من هنا نرى ضرورة توحيد الرؤى والمفاهيم لخلق مفهوم جديد لعلاقة الإنسان بالطبيعة، فما نراه منذ سنوات هو تعديات على الطبيعة من قطع الأشجار، وحرقها، والعبث بالأمور البيئية، فالمطلوب تطوير البرامج التربوية، وجعل مادة البيئة مادة أساسية وحيوية في حياة التلاميذ على مختلف مراحل تعليمهم حفاظاً على التنوع البيولوجي، والثروات الطبيعية التي تزخر بها بلادنا، ولكن للأسف تعرّضت للاعتداءات المتكررة، ما شوّه معالم هذه الطبيعة، وجعل الواقع البيئي مأساوياً.
ثقافة بيئية غائبة
المهندس رفيق عاقل، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة بحماة قال: مازالت الثقافة البيئية لدينا غير منتشرة، بل عندما تتحدث عن خطورة وضع بيئي في مكان ما يستهجن الحضور هذا الطرح، ويسأل أحدهم: هل القضية متوقفة على نظافة البيئة، وحماية الغابات؟!.. ومن هنا ينبغي على المؤسسة التعليمية التربوية أن تؤدي دوراً مهماً في تعميم وتعميق الثقافة البيئية، ولكن للأسف هذا الدور مازال متواضعاً.
ويضيف عاقل: لقد كانت زيارة الوفد الحكومي إلى مدينة مصياف العام الماضي المؤلفة من وزراء: الداخلية، والإدارة المحلية، والزراعة، للتأكيد على حماية الحراج حفاظاً على البيئة وأراضي أملاك الدولة، وإيقاف التعديات عليها، فهذا مؤشر كبير على الاهتمام بالواقع البيئي الذي هو بالمحصلة تحسين وصون البيئة.
لكن أريد الإشارة هنا، والكلام مازال لعاقل، إلى ضرورة إشراك المجتمع الأهلي، والأحزاب، والمنظمات بمختلف أنواعها للدفاع عن البيئة، فلو حدث مثل هذا سيعكس حالة من التطور على مستوى الأفراد، والمؤسسات، والجمعيات، فمثلاً قبل التعديات على الغابات وتشويه البيئة، كنا نشاهد الغزلان، والأرانب، والذئاب، وكل الحيوانات والطيور في الغابات كونها كانت خالية من السلوك البشري، الآن لا يوجد في كل غاباتنا شيء من كل ذلك، فلا قانون يحمي هذه المكونات، ما جعل الحراج تشكو من اختلال في توازنها الايكولوجي.
سوء الواقع
في مكتب رئيس مجلس مدينة مصياف دخلت سيدة عجوز في الثمانينيات من عمرها تشكو من سوء الواقع البيئي، وغياب النظافة الجماعية، كما قالت، وتلوث الجو، ومياه الشرب، مشيرة إلى وجود العشرات من الإصابات بالأمراض الخطيرة دون أن يفصح أهلها عنها، فضلاً عن وجود أعراض الطفح الجلدي، محمّلة ذلك لسوء الواقع البيئي الذي يتحمّل مسؤوليته الجميع من دون استثناء، على حد تعبيرها، ورغم كبر سنها فإنها حاضرة الذاكرة حين قالت: “رحم الله أيام زمان يوم كان كل واحد منا يقوم بالتنظيف “من حوله” بشكل تكاملي، ليغدو الشارع برمته نظيفاً جميلاً”، فكان رد رئيس مجلس المدينة: ستكون هناك أيام عمل طوعي تشارك فيها كل الفعاليات، والمجتمع الأهلي من أجل أن تكون المدينة أكثر نظافة.
معاناة الغابات
المهندس أمير عيسى، مدير الحراج في هيئة تطوير الغاب قال: إن مكونات الغابات الحية تعاني من اضطهاد بشري مستمر، إذ يلاحقها الإنسان بأعمال الصيد الجائر، سواء أكانت تؤكل أم لا، كالبوم، واللقلق، ويسلبها موائلها الطبيعية، مع أنها جزء من منظومة البيئة، ولا يتوقف عن قتلها، وهذا ما يؤدي في علم الطبيعة إلى اختلال التوازن البيئي ممثّلاً بتلويث البيئة ليمتد إلى غذائها، ويضر بحيويتها، فالواقع البيئي خلال السنوات الخمس الماضية ازداد تأثراً بسبب الأزمة، ما أدى لتشويه الطبيعة، وانعدام توازنها، مضيفاً بأنه إذا اختفت الأشجار اختل التوازن، وكثرت الأمراض، وزاد التصحر، بمعنى أوضح خراب البيئة خراب للسلامة العامة، باختصار نشير هنا إلى أنه يوجد في تونس حزب اسمه حزب الخضر يعنى بكل شيء أخضر، وهو حزب بيئي، ما يشكّل علامة فارقة في الحرص على تحسين الواقع البيئي، فاللوحات الطرقية، والملصقات الإعلانية تملأ شوارع تونس، كلها تدعو للحفاظ على البيئة، وجعل الكون الأخضر زراعياً، وأشجاراً العنوان العريض والرئيسي، إنها دعوة للعمل على تحسين واقعنا البيئي، والحفاظ على الأشجار، والمساهمة الفعالة من الجميع لجعل مدننا أكثر جمالاً ونظافة من أجل حياة كريمة أجمل، وهذا أولى الواجبات، وأولى الحقوق، فهل هذا ممكن؟!.
محمد فرحة