نهاية الوهم الأمريكي
لم يكن الإرهاب السلاح الوحيد المستخدم في الحرب على سورية، فمن خطط ودعم ونفّذ وضع في حساباته كل السيناريوهات التي من شأنها أن توهم الرأي العام العالمي بأن كل ما يجري من قتل وتشريد وتدمير هو في سبيل التغيير نحو الأفضل، وينطلق في ذلك من معادلة تضليلية بأنه لا يمكن نشر الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية إلا من خلال مواجهة الحكومة الشرعية بالسلاح، والضغط عليها، أولاً عبر تدمير البنى التحتية وتوسيع رقعة المواجهة لتشمل كل مدينة وقرية وحتى مزرعة، وإعطاء الماكينة الإعلامية التي استخدمت كسلاح رئيسي دوراً محورياً عبر تصوير مشاهد مفبركة منفذة بأسلوب هوليوودي لتكون ركيزة لفرض عقوبات ظالمة، وأساساً لاجتماعات في مجلس الأمن تكاد لا تحصى في سبيل شرعنة التدخل العسكري الخارجي المباشر. والمؤسف أن بعض المنظمات والهيئات الدولية غير الحكومية انساقت خلال الحروب الأخيرة على سورية وفي منطقتنا في المشروع الصهيو أطلسي جراء سيطرة أمريكا واللوبي الصهيوني على قراراتها. هذا ما حصل حقيقة خلال ما يقارب ثماني سنوات من عمر الحرب.
وحتى نكون منصفين، فإنه منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب زارت سورية وفود تمثّل شخصيات ومنظمات تناهض السياسة الأمريكية للاطلاع عمّا يجري على أرض الواقع، وكان ثمة إجماع من هؤلاء في تصريحاتهم بعد عودتهم إلى بلادهم أن سورية تتعرّض لمؤامرة كبرى استخدمت فيها الدعاوى الكاذبة لتبرير إجرام التنظيمات التكفيرية، من تقطيع للأجساد وتهجير للأهالي وتدمير للمدن والبلدات. تلك الآراء المستقلة لشخصيات عرفت بمواقفها المدافعة عن الشعوب المظلومة أحدثت بداية خرقاً في جدار الكذب والتضليل الذي صنعته الميديا العالمية، وتوسّعت دائرة انقشاع الحقيقة أمام العالم مع توالي انكشاف الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية بحق الأبرياء، بالتوازي مع ضرب الإرهاب دول بعيدة عن سورية، وإنجازات الجيش السوري في الميدان، كلها أمور جعلت كل المترددين ومن يقفون في المنطقة الرمادية يتقاطرون إلى سورية لـتأكيد تضامنهم والتعبير عن امتنانهم لسورية، شعباً وجيشاً وقيادة، التي دفعت عن العالم ثمناً كانت ستدفعه دول كثيرة لولا صمود سورية ودفاعها عن مبادئها ووحدة أراضيها وهويتها الأصيلة من خلال مواجهة الإرهاب ورسمها خلال هذه المرحلة الخطوط العريضة للانتصار عليه.
وبالتالي بدأت اليوم تتضح معالم نشوء تيار شعبي، من مفكرين وسياسيين وعاملين في قطاعات يمكن اعتبارها متصدّرة رأي عام ومدافعة عن الحقيقة، للوقوف إلى جانب سورية والتأكيد على تعافيها، وفي هذا الإطار جاء انعقاد مجلس السلم العالمي في دمشق، والمؤتمر العلمي الدولي التاسع عشر لنقابة أطباء أسنان سورية بمشاركة أكثر من 500 طبيب عربي، ما يعني أن دائرة الدعم الشعبي لمحور مناهضة الهيمنة الأمريكية بدأت بالاتساع، وهي ستشكل دعامة رئيسية في قادم الأيام لكسر الحصار على سورية، مقابل انحسار لدور المنظمات والهيئات التي تسير في الركب الأمريكي، حيث بدأت الأصوات تتعالى لإعادة النظر في بنيتها ودورها بما يسهم في ولوج عالم أكثر عدلاً للأجيال القادمة ونهاية للوهم الأمريكي.
لطالما راهنت سورية على التيارات الشعبية لإيضاح المشهد على حقيقته ومساعدتها في نقل الصورة البهية التي تتمتع بها كآخر القلاع المناهضة لسياسات الإملاء والهيمنة، ولا شك أن تقاطر الوفود إلى سورية يضيف دليلاً جديداً على بدء تشكّل رأي عام عالمي يوازي الإنجازات السورية في الميدانين العسكري والسياسي، والذي بدأت تؤتي ثمارها في تشكل ملامح النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب المدعم بمواقف شعبية، والذي سيفرض التغيير كما تشتهي الشعوب التي ضحّت وصمدت، وليس العكس.
عماد سالم