الجمال.. ومراياه الأخرى!
حسن حميد
كثيراً، ما أسأل نفسي وأحاورها حول فعالية الترجمة وما فيها من ثقافة ومناددة وجمال معرفيّ، لأن الترجمة ليست نافذة تطل على الآخر من أجل التعالق الإنساني فحسب، وإنما هي مرايا لا بدّ لكل متطلع نحو السمو من مواجهتها لتقدير أهمية ما ينتجه من معارف وعلوم وفنون، ودائماً كنتُ أقف عند فكرة جوهرية، وهي لماذا ننقل ترجمةً وتعريباً كل شيء من بلدان الغرب؟! وما العلّة الكامنة وراء ذلك، أهي بسبب تقدم الغرب في التكنولوجيا، أم أن السبب في الدعاية المصاحبة لكل منتج لديه، أياً كان هذا المنتج، أم هي قابلية استهواء قرّت في أذهاننا بأن كل (فرنجي برنجي)، أم هي فكرة أن المتقدم في التكنولوجيا هو متقدم في المعارف والثقافات والفنون؟! والحق لم أجد إجابات شافية تمتلك القناعة الكاملة حول هذا الأمر، والسبب يعود، في قناعتي، إلى أن الغرب متقدم في العلوم والتكنولوجيا والتطبيقات والاختراعات والابتكارات، وهذا أمر مؤكد تدلل عليه الأخبار الطالعة صباح مساء من بلاد الغرب، أما ما لست على اقتناع به فهو أن الغرب متقدم في الثقافة والفنون والإبداع المعرفي، ربما يكون الغرب متقدماً في فعالية النقد الأدبي، وتأطير الأفكار النقدية في نظريات وشرحها والدفاع عن قولاتها، لكنه، أعني الغرب، ليس متقدماً على الشعوب والبلدان الأخرى في الإبداع الأدبي والثقافي والفنون عامة، لأن معظم ما يكتبه أدباء الغرب اليوم، وما ينتجه فنانوه فاقد للعفوية، والجمال، وأسرار الإبداع الحافلة بالدهشة، وهو أدب، وثقافة، وفن لا يولّد أي طيف من طيوف الجمالية التي ترضي الذات العارفة بمكنونات الأدب والثقافة والفنون صاحبة الجوهر الكريم.
ومع أن الكثيرين من أهل الثقافة والفنون والمعرفة يقرون مثل هذا الأمر، أو يقبلون به قبولاً عجولاً، فإن الترجمة لمعظم ما ينتجه الغرب ما زالت ناشطة جداً وكأنها حلم من أحلام أهل البلدان النامية، وللأسف تتعاون أيد كثيرة من أجل تفعيل نشاط الترجمة من بلدان الغرب إلى لغتنا العربية، منها: المترجمون، والجامعات، والنقاد، ودور النشر، ومعارض الكتب، والملتقيات والمؤتمرات ذات الشأن.
تُرى، والحال هي كذلك، لماذا لا يُقبل المترجمون العرب على ترجمة الآداب الآسيوية والإفريقية مثلما أقبلوا على ترجمة آداب بلدان أمريكا اللاتينية، أهم ينتظرون الدعاية الغربية للآداب الآسيوية والإفريقية مثلما فعلت دعاية الغرب فعلها تجاه الآداب في أمريكا اللاتينية، أم ماذا؟!.
أشير إلى هذا، وفيه يكمن حزن كبير، لأننا، وعلى الرغم من ترادف الزمن، وتكاثر الوعي، ومعرفة الغرب وما يمتلكه من ثقافة وآداب وفنون وأفكار تجاهنا، ما زلنا لا نعرف الكثير عن الآداب الآسيوية والإفريقية، لا عبر سيرورة زمنية، ولا عبر تواصل ثقافي، إذْ من يعرف أدباء جدداً في الهند، ومساحتها شاسعة، ولغاتها متعددة، وسكانها كثرة، جاؤوا بعد طاغور الذي صدّره إلينا ليس الهنود وإنما الغرب بعد أن فاز بجائزة نوبل 1913، من يحدثنا الآن عن أدباء ردفاء لـ طاغور في الحضور والأهمية، أم أن الحياة الأدبية/الإبداعية وقفت في الهند عند طاغور الذي رحل سنة 1941. والحال هي كذلك حين نتحدث عن الصين، وأفريقيا التي لا نعرف من أدبائها سوى نفر قليل صدّرهم لنا الغرب أيضاً، ولغايات باتت أكثر من معروفة!.
ترى أما آن الأوان أن نذهب إلى الآداب الآسيوية والإفريقية لنرى مجد الثقافات والفنون والآداب وتحليقاتها وهي في بكوريتها الساحرة؟ أجل، هذا ما أرجوه وأتمناه مع كثيرين.. لكي نرى جمالاً آخر في مرايا أخرى!.
Hasanhamid55@yahoo.com