لا يمكن تطبيقها على الأبنية الحالية بشكل يتناسب مع تصميمها المعماري.. الشركــــة العامــــة لـ”الدراســــات الفنيـــة” على خطـــا اعتمـــاد معاييـــر العمـــارة الخضـــراء
دمشق – كنانة علي
في الوقت الذي يبدو الحديث فيه عن العمارة الخضراء في العديد من الدول المتقدمة من المسلمات، قد يبدو في بلادنا ضرباً من الترف العمراني، إلا أن المفارقة تكمن بأن جذور هذه العمارة تعود بالأصل إلى سورية، حيث يؤكد مدير عام الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية الدكتور أشرف حبوس أن الحديث عن مفهوم العمارة الخضراء هو بالواقع عودة إلى التراث المعماري والعمراني السوري في حلة جديدة، قوامها تكريس البيئة النظيفة المعتمدة على الطاقات المتجددة والموارد المحلية التي يمكن توظيفها ضمن سياق إنتاج البيئة الصحية بناء على التخطيط المدروس.
تحريض
يمكن قراءة ما سبق من زاوية تحريض الجهات المعنية بشكل أو بآخر على التقاط مفهوم العمارة الخضراء من تراثنا، وإعادة تبنيها كمكون أساسي في المشهد العمراني وكانت البداية عام 2013، وهنا يشير حبوس إلى العقد الموقع ما بين الشركة ووزارة الإسكان والتنمية العمرانية قبل أن تدمج مع زميلتها الأشغال العامة، والخاص باعتماد معايير العمارة الخضراء، والمتضمن إعداد تصنيف للأبنية متوافق مع تصاميم العمارة الخضراء، ووضع خطة وطنية لإدراج الأبنية الراهنة ضمن هذا التصنيف، من خلال وضع منهجية لإمكانية تصنيف الأبنية حالياً بما يتلاءم مع الوضع في سورية، ليبين أن المشروع الأول للعمارة الخضراء كان من خلال العمل باتجاه تأسيس المدينة الخضراء في منطقة معرونة بالتل بريف دمشق، وذلك وفق العقد المبرم بين الشركة باعتبارها الدارس للمشروع، ومؤسسة الإسكان العسكرية والمؤسسة العامة للإسكان، وقد تم تكليف الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية بالتدقيق على العقد الأساسي وإعداد الدراسة التنظيمية والتنفيذية للموقع العام، متضمنة شروط العقد في برنامج المشروع على أن تتم الدراسات وفق معايير العمارة الخضراء وتطبيق كود العزل الحراري السوري إضافة إلى لحظ تأسيسات منظومة الطاقة الشمسية في الموقع العام.
ومنذ بداية 2018 تم الاتفاق بين المؤسسة العامة للإسكان والشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية على دراسة النماذج المعمارية للدراسة التخطيطية والتنظيمية للمدينة الخضراء للبدء بمشروع رياضي في ريف دمشق يعتمد معايير العمارة الخضراء وفقاً للدليل الاسترشادي في سوريا للأبنية السكنية.
من واقع الخبرة
ويدلي حبوس بشهادته وخبرته لجهة التوجه نحو اعتماد الأبنية الجاهزة مسبقاً من حيث الأسعار والدعم والتمويل، حيث أكد أنه في حال إعداد جدوى اقتصادية للتصميم المعماري البيئي لبناء مؤلف من \15\ طابقاً لحصلنا على مستوى من التوفير بمادة المازوت في الشتاء بين المبنى المستدام والمبنى الكلاسيكي يصل إلى 3000 ليتر للطابق الواحد، وتوفير طاقة مقدارها 16000 كيلو واط ساعي أي 45000 ليتر مازوت للبناء (صيفاً) و240,000 كيلو واط ساعي للبناء، وهذا يكافئ سنوياً أكثر من 3825000 ليرة سورية صيفاً و1440000 ليرة سورية شتاء، و بالتالي توفير إجمالي سنوي بمقدار 526,000 ل.س.
مقارنة
ويضيف مدير الشركة في معرض حديثه لـ”البعث” أنه إذا أردنا الحصول على التكلفة التي تدرس للأبنية السكنية الكلاسيكية بأسعار السوق من قبل القطاع العام فيمكن أن تكون حوالي 10 ملايين ليرة سورية للشقة بمساحة تراوح بين 90 – 100متر مربع، أما في العمارة الخضراء فيمكن أن تصل إلى 10 ملايين ليرة سورية لنفس المساحة ولكن بالمقارنة مع ما ذكر في دراسة الجدوى الاقتصادية فإننا نجد أن تحقيق المردود المادي يعود لصاحب الشقة خلال فترة لا تزيد على ثماني سنوات وهذا دليل واضح على أن العمارة الخضراء رغم اشتراطاتها الكثيرة إلا أنها تحقق فوائد أكثر وكلفة أقل على المدى الطويل، إضافة إلى أنها تعيد التواصل الاجتماعي والحفاظ على التقاليد والعادات المرتبطة في المنطقة وفقاً لأطلس المناخ السوري الواجب إعداده لهذا الهدف.
كلام فني
وبين حبوس أن إمكانية تطبيق المعايير الخاصة بالعمارة الخضراء على الأبنية الحالية المشادة بحاجة إلى تماذج بين داخل البناء وخارجه، ففي التصميم الخارجي للبناء يمكن تحقيق ذلك من خلال العزل الحراري والجمالية والتسخين للمياه واستدامة الموقع، أما من الداخل فهذا العمل على الأغلب لا يمكن تحقيقه بشكل متناسب مع تصميم معماري ينسجم مع العمارة الخضراء، ولأن النماذج المعمارية أو الأبنية القائمة مصممة على أسس بينية محددة، لذلك لابد من تلبية متطلبات تصميمية معمارية بينية، ومتطلبات تصميمية إضافية للواجهات لاستيعاب منظومة الطاقة الشمسية، إذ تتطلب المحددات أن يحتوي المبنى على “اتريوم” ذي أبعاد مناسبة للنموذج هندسياً وميكانيكياً ومتوافق مع الفتحات الخارجية وتصميمه الذي يضمن انتظام عملية سحب الهواء الطبيعية من خارج المبنى إلى داخله وبالعكس، وأن تكون الأبعاد ملائمة لحجم المبنى وارتفاعه وموقعه الإحداثي بحيث يمكن الوصول إلى منطقة الراحة الحرارية من دون صرف طاقة زائدة في التكييف والتدفئة وتصميم الواجهات الخارجية بحيث تستوعب منظومة الطاقة الشمسية وبشكل لا يؤثر على فتحات التهوية الطبيعية وتصميم الفراغات الداخلية بشكل متناسب مع تصميم الاتريوم في الصيف والشتاء وبشكل لا يعوق حركة الهواء الطبيعية، إلى جانب تصميم الواجهات الخارجية بتقنية الواجهات المزدوجة والجدران المهواة ما يضمن لنا تخفيض الكسب الشمسي حتى 80% ويضمن العزل الخارجي وزيادة فعاليته.