التشدّد الأخرق
عبد الكريم النّاعم
بداية أتحدّث عن أحد معاني الخُرْق، فقد جاء في المنجد: “خَرِقَ يَخرَقُ، و.. خَرُق يخرُق خراقة: حمُق، لم يُحسن عمله فهو أخرق”.
بعد هذا أنتقل إلى التشدّد الأخرق لدى الجماعات الإسلامية المتطرّفة، والتي أخذ بعض مجتهديها بآراء قابلة للأخذ والردّ، فأخذوا بها على عماها، وصارت تلك الاجتهادات هي لبّ الإسلام، بينما تبدو في التدقيق البصير أنّها حالة من التشنّج، والتشدّد الذي يجعل ما هم عليه لا علاقة له بإسلام محمّد (ص)، بل تجاوز البعض أقوال الرسول، وجوهر الرسالة السماوي، وسأورد في ذلك بعض الأمثلة، وهي كثيرة لمن يريد تتبّعها.
-أقام الرسول (ص) دولة (مدنيّة) في المدينة، بكلّ ما تعني كلمة مدنيّة من دلالات، فأعلن عقْد حلف بين المسلمين واليهود الذين فيها، وبعض القبائل العربيّة التي لم تكن قد أعلنت إسلامها بعد، هذه الصيغة يلغيها المتشدّدون، ويصرّون على (أسْلمة) المجتمع، لباسا، وإطلاق لحية، وتمثّلاً جامدا لمرحلة انتهت منذ أكثر من ألف سنة وتزيد، وتحريما للتلفزيون، وإغلاق نوافذ البيت على مَن فيه، فهل في ذلك شيء من ملامح الإسلام المحمّديّ؟!!
-تعايش الرسول (ص) مع مَن سُمّوا مُنافقين، وكانوا يعيشون بين ظهراني المسلمين، والمُنافَقة حالة يخفيها صاحبها، فهو يُظهر غير ما يُبطن، ولم يخفَ أمر هؤلاء على الرسول (ص)، فهو يعرفهم واحداً واحداً، وأخبر بعض الصحابة بأسمائهم، والمُنافق الذي تعيش أنت وإياه على أرض واحدة، ستظلّ حذراً منه، فلا تثق بما يقوله، ولا بما يفعله، ورغم هذا فقد تعايش الرسول مع هؤلاء، ولم يقمعهم، وكان لهم ما كان للمسلمين، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ بعض كتب السيرة، إن لم يكن معظمها، تقول إنّ ربّ العزة هو الذي أخبر الرسول عن طريق الوحي بأسمائهم، بمعنى أنّه لا جدل ولا جدال فيهم، ومع هذا فقد كان لهم ما للمسلمين في مجتمع المدينة، بينما يأخذ المتشدّدون التكفيريّون الناس على الشُبهة، أو على خانة الطائفة!!
-الرسول (ص) خرج من مكّة حين لم يعد من الممكن العيش فيها، لشدّة إيذاء المشركين له، وحين فتحها، لم ينتقم، ولم يُعمل السيف فيهم، بل قال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ولم يكونوا قد أسلموا بعد، بينما المتشدّدون شعارهم مع كلّ مَن ليس مثلهم: “لقد جئناكم بالسيف”!!
-الرسول (ص) لم يُحاسب حتى على الشكّ، فقد روى خالد محمد خالد أنّ صحابيّا جاء إلى الرسول وشكا له من أنّه لم ينم البارحة، فسأله (ص): “مِمَّ”؟ فقال: “لقد داخلني الشكّ”، فأجابه: “بورك بك أوصلْتَ إلى هذه”؟! فاعتبر الشكّ حالة بشريّة تراود العقل، فأين هذا من ضيق ذلك التشدّد الأخرق؟!!.
aaalnaem@gmail.com