رجال الشدائد لا الموائد
لم تعد مقبولة حالة الارتجال والفوضى التي تغلّف قطاع الأعمال المحلّي، لا سيما في معايير المناخ الجديد، والإحداثيات غير التقليدية التي فرضتها الظروف لتوزيع المهام بين الحكومة ورجل الأعمال، فثمة مسؤوليات طارئة، هي جسيمة في الواقع، لا يبدو أنه سيكون بمقدور المنتمين إلى “نادي البزنس السوري” التنصّل منها، وفي الوقت ذاته لا نملك كما لا يملك أي مفرط في التفاؤل، الاسترخاء إلى جهوزية هؤلاء لمسؤولياتهم الجديدة، وفق المعطيات القادمة من المشهد على الأرض، ومصدر القلق هنا هو ما يمكن أن يلتقطه أي متابع لإسقاطات “الذهنية شبه القبلية”، التي تستحكم بتعاطي معظم رجال صناعتنا وتجارتنا مع أعمالهم، ومع بعضهم البعض ومع الحكومة أيضاً!.
ولعلّ أكثر ما يثير الهواجس حالياً، هو عدم حصول أي تغيّر في ملامح الذهنية المطلبيّة الطفيليّة لرجل البزنس السوري: قروض.. دعم.. تعويض، رغم المتغيّرات الحادة والقاهرة التي عصفت بالبلاد، ولم تستثن شيئاً؟!. فإن أمطرت بغزارة لا يفكّر رجال “أعمالنا” بدرء السيل، بل تتفتق حذاقتهم الاستثمارية عن سيناريوهات ابتزاز حقيقي موصوف للحكومة والدولة، على شكل مطالبات بالتعويض مثلاً، وهذا تجلٍّ من تجلّيات لوثة الذرائعيّة التي فعلت فعلها، وطالما تسببت بخسائر هائلة على المستوى الكلّي للأعمال، لأنها كانت بديلاً مشوّهاً للمبادرات والفعّالية العالية التي تتطلّبها إدارة رأس المال وتنميته.
الواقع، إن في “تضاريس” قطاع الأعمال السوري حالة غير مطمئنة من التباينات في الشكل والقوام والنهج والأداء، تعود إلى غياب المأسسة عن القطاع بشكل شبه تام، حتى ولو امتلكنا هيكليات تنظيميّة على شكل غرف صناعة وتجارة، إلّا أنها حتى الآن مازالت محكومة بملامح ونفحة تعاطي بائسة عنوانها “تدابير شيخ الكار”، بكل ما فيها من تقوقع وانطواء وضبابية وهروب من الإفصاح والتصريح، خوفاً من “عيون الحاسدين” أو توخّي المزيد من “البركة” بعيداً عن مداولات ألسنة الناس!.
هي حالة من الهزال حتّمت ظهور نخب محدودة الانتشار الأفقي في مضمار الأعمال السوري، تولّى هؤلاء مسؤولياتهم دونما ضجيج، وربما سيكونون هم نواة المأسسة الجديدة للقطاع، والتي تصطدم حالياً برفض و”حرب خرساء” مضادّة في أوساط الصناعيين والتجّار.
الحقيقة، إننا نقف الآن عند نقطة بالغة الحساسية زمنياً، في سياق علاقة رجل الأعمال مع مسؤولياته أمام البلد الحاضن لأعماله ومطارح تنمية رساميله، والواضح أن الحكومة قد أفردت حصّة وافية من خططها وبرامجها المقبلة لقطاع الأعمال، كما أن الواضح أيضاً أنها خصصت قيماً مالية وموازنات غير قليلة لدعمه، وتمكينه من التفاعل الإيجابي الحقيقي والإقلاع في المهمة النوعيّة الجديدة الملقاة على عاتقه، في الرحلة المضنية المتجهة نحو “سورية ما بعد الأزمة”، فإن كان الإحجام هو ردّة الفعل الأولية، سنكون أمام معضلة تنموية – اقتصادية واجتماعية – بالغة التعقيد وذات نتائج بغيضة، هي ذاتها نتائج الفشل في اختبار وطني تنموي، وهذا ما يجب أن يتوخّى عدم حدوثه، قادة الرأي والمصالح في قطاع الأعمال، لأنه سيعيدنا إلى زمن الشرخ الخطير بين رأس المال الخاص والحكومة كما الشعب، ويعيد إلى الأذهان ملامح الطفيلية القديمة التي من المفترض أنها ذهبت إلى غير رجعة.
ولا بأس أن يبدأ رجالات أعمالنا فوراً، بتوسيع دائرة حضورهم الاجتماعي، والارتقاء من “إنجاز عزائم الإفطار” والاستعراض بتوزيع الوجبات في المناسبات، إلى طبع بصمات جديدة، حيث تلزم الاستحقاقات الملحّة الراهنة: بناء مدرسة، تجهيز مشفى مدمّر، وغير ذلك من رسائل حسن النيّة، بدلاً من التلعثم في الإجابة على أي سؤال مباغت عن عدد العمال المسجّلين لديهم في التأمينات الاجتماعية مثلاً، وخصوصاً في القطاع الصناعي؟!.
ناظم عيد