المسرح روح الحياة .. والروح لا تموت
هو ابن الحياة بلا منازع، تجاربه الشخصية كانت كفيلة بصقله على كل الأصعدة، تلاقح الصدف الجيدة منها والسيئة، عبدت طريق حياته، ومسيرته الفنية، وصديقته خشبة المسرح شاهدة على غنى تلك المسيرة وهي خير الشاهدين..
فايز صبوح فنان بدرجة مواطن سوري.. نقي كدقة ناقوس.. واضح كشاهدة قبر.
الحديث ملتبس دوما عن الأصدقاء والأحبة..الذاكرة هي الحارس الأمين للحكاية، حكاية هذا الفنان الذي آمن بأن المسرح هو طوق النجاة لخروجنا بأقل خسائر نفسية واجتماعية وثقافية ووو..من هذا الواقع السيئ، المسرح روح الحياة والروح لا تموت.. نحن نفنى والروح باقية إلى أبد الآبدين..
بالمسرح نبدأ:
< (أعطني خبزا ومسرحا.. أعطيك شعبا مثقفا وعظيما..) هل تلائم هذه المقولة وقتنا الراهن؟
< < واقع حالنا يقول الآن أعطني خبزا وخبزا وخبزا.. بغض النظر ماذا أعطيك..! في ما نحن عليه من واقع سيء، وبظل وسائل التواصل التي غزت الدنيا من جهاتها الأربع، لم يعد للمسرح دوره المرتجى في تثقيف الشعوب، ومسرح الأمس لا يشبه مسرح اليوم.
< بعد كل ما ذكرت هل نستطيع أن نقول بأن المسرح بخير؟
< < أنا كمسرحي لست بخير، بالنتيجة أبونا وأبو الفنون لا أتوقع أنه بخير، ما نشهده الآن شبه مسرح، وليس مسرحاً حقيقياً، المسرح الآن ليس لأبنائه، والبديل لا ينوب أبدا عن الأصيل.
< إذا أين أنت من المسرح الآن؟
< < أنا في قلب المسرح، شاء من شاء، وأبى من أبى، مشكلتي أنني لا أجيد اللعب سوى على خشبته، ولا استنشق سوى هواءه وإن وصلت حد الاختناق.. المسرح استهلكني بكامل رضاي وسعادتي.
< ماذا تخبرنا عن تأثير البيئة والمحيط بحياتك الفنية، لا سيما أنك من بقعة جغرافية مكتظة بالفنانين والشعراء والتشكيليين؟
< < قريتي الجميلة “بكسا” المتاخمة لأوغاريت، صديقة البحر والجبل، وفي زمن اللا تواصل الاجتماعي والإعلام، وزمن الفقر المدقع قدمت لنا، الفنان العظيم “أسعد فضة” والعديد من التشكيليين والشعراء والأطباء والمعلمين، فكيف لي أن لا أتأثر بمحيطي أو العكس، كنت طالب بكالوريا وهذا عام1981 عندما صنعت من خشب زيتون بكسا منصة لمسرح “الهواء الطلق” ونصبتها في ساحة القرية (البيدر) ومن تلك الساحة بدأت قصتي الفنية، فالإنسان ابن بيئته أكيد.
< كيف تقيم المسرح بعد ثماني سنوات حرب؟
< < في هذه السنوات سيئة الذكر، كل شيء بحياتنا بات على حافة الخراب، ولن يكون المسرح هو الناجي الوحيد من كل ما حدث، ولكن أستطيع أن أقول بأن المسرح في بعض المحافظات التي لم تكن تحت سيطرة المسلحين كاللاذقية مثلا، حمل على عاتقه مهمة إبقاء المسرح على قيد الحياة، والدور الكبير في ذلك، حب وتفاني مسرحيي المحافظة ، فقد عرضنا أكثر من مرة بلا كهرباء على إضاءة الليدات وبلا صوت، وأحياناً كثيرة كانت القذائف والصواريخ تسقط بالقرب من مقر المسرح، ولابد أن أوجه شكري وتحيتي لجمهور اللاذقية الرائع، لكن هذا لا يبيح لنا كمسرحيين أن نقدم عروضاً هابطة بحجة أننا في حالة حرب، فأجمل العروض المسرحية وأعظمها على مر التاريخ، قدمت في زمن الحرب في فرنسا وروسيا ووو..
< أين تجد نفسك أكثر، كممثل فوق الخشبة، أم كمخرج تراقب من الصالة عرضك المسرحي؟
< < لكل مهمة نكهة وطعم خاص، ولكن في المسرح يتماها دور المخرج ودور الممثل، ومهمتي كمخرج تفرض عليّ أن أقوم بتأدية كل الشخصيات وأكون جاهزاً لملء أي فراغ يتركه غياب أحد الممثلين لسبب ما. ولكن أنا بالأساس كنت ولازلت ممثلاً، لا يروي ظمأي الفني سوى وقوفي على خشبة المسرح.
< بعد إخراجك لثلاثة أعمال مسرحية خاصة بمسرح الطفل، وقمت بتمثيل العشرات من الأدوار في مسرح الطفل أيضا، ماذا تخبرنا عن مسرح أطفالنا؟
< < هذا السهل الممتنع هو من أصعب وألذ الفنون على الإطلاق، ومن يستسهل العمل كمخرج أو كممثل في مسرح الطفل، هو مخفق لا محال، فهو مقياس حقيقي لأداء الممثل وعفويته على خشبة المسرح، فإما أن يدخل لقلوب الأطفال ويشد انتباههم، وبالتالي لا تشغلهم (أكياس الشيبس والبسكويت) وإما أن يصرفوا النظر عن كل ما يدور أمامهم من فرجة على تلك الخشبة. وهنا أتوجه بنداء من القلب للقائمين على مسرحنا: أرجوكم دعم مسرح الطفل بكل ما أوتيتم من حب لهذا البلد، فحتى اللحظة مسرح الطفل في بلادنا، لا يليق بأطفالنا، هو مسرح فقير بكل ما للفقر من معنى.
< ما جديد الفنان فايز صبوح؟ وماذا تحدثنا عن تجربتك بالعمل التلفزيوني؟
< < أولا: سأجيب عن الشق الثاني من السؤال.. رغم الحالة المادية غير الجيدة، كما حال أغلب الفنانين المسرحيين في بلدي، إلا أنني سعيد جدا بما أنا عليه من حال، ولا أندم على أي فرصة تلفزيونية ضاعت مني أو ضعت عنها (كأن الحب كان من طرف واحد في التلفزيون) لماذا لا أعلم ولا أريد أن أتعب نفسي بالبحث عن الأسباب.. عبث.
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال.. الآن بصدد التحضير لمهرجان مسرح الطفل، الذي تقيمه وزارة الثقافة في العطلة الإنتصافية، وسنشارك بعمل من إخراجي (حسن وحسنة) في مدينتي اللاذقية وجبلة، وأقوم بقراءة عدّة نصوص مسرحية، تحضيراً لإخراج عمل جديد مع بداية العام القادم 2019. من المسرح وإليه نعود..
لينا نبيعة