بين الأحمر والأزرق.. العــــرب خارج المعادلــة
مرّة أخرى يعود اليوم الهوس العالمي، الدوري، بالرهان على الانتخابات النصفية لتغيير موازين القوى في “الكونغرس” الأمريكي، أملاً بتغيير في السياسة الخارجية، فيما الحقيقة التي خبرها هذا العالم، بجغرافيته واقتصاده ودماء أبنائه ولحمهم الحيّ، تقول: إن شبق التدخلات الخارجية لحكام واشنطن، والذي قارب 150 تدخلاً عسكرياً مباشراً وآلاف عدة من التدخلات غير المباشرة في الشؤون الداخلية لدول العالم عبر قاراته المعروفة، لن يتأثّر باختلاف اللون بين كونغرس أزرق أو أحمر، على ما عهد البعض في التفريق بين الجمهوريين والديمقراطيين.
بهذا المعنى فإن التفرقة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بين “صحوة كبرى” في حال فاز فريقه الديمقراطي، أم “عتمة سياسية” في حال فوز خصومه الجمهوريين، ليست صحيحة بالمطلق إلا في شقها الأمريكي الداخلي، ولن يشعر بها الخارج إلا جزئياً، فالحقيقة التي يتغاضى عنها البعض هي أن المنافسة الانتخابية ونتيجتها النهائية ستحدّدها القضايا الداخلية، وليس الخارجية التي لا تتعدّى “نسبة تأثيرها الصفر”، على رأي باحثين أمريكيين، لأنها، أي الخارجية، لا تنطلق من سياسة حزب بحد ذاته، بل هي سياسة “الدولة العميقة” الحاكمة بكل مكوّناتها، و”لوبياتها”، و”كارتلاتها” الاقتصادية الهائلة، وحزبيها الرئيسيين المتنافسين، اللذين يتفقان على الاستراتيجية الخارجية لكنهما يختلفان على التكتيك المتبّع في تحقيقها، وهذا هو الفرق بين أوباما اللطيف وترامب البلطجي، لكنهما، أي الحزبين المتنافسين، يختلفان على قضايا داخلية حقيقية، منها ما هو متعلّق بالإجهاض وحمل السلاح وقصص الهوية والثقافة الأميركية والهجرة والاقتصاد ..إلخ، ويسجّل ترامب في بعضها نقاطاً “إيجابية” في زمن الشعبوية السائد حالياً، مثل الهوية والاقتصاد، وخاصة بعد نهب أموال الخليج لمصلحة “وظائف.. وظائف.. وظائف” في الداخل الأمريكي، وفي هذا السياق يمكن النظر إلى العقوبات على إيران بتوقيتها الملفت، قبل الانتخابات النصفية، كورقة انتخابية سياسة ذات بعد داخلي في جانب هام منها، دون إنكار أبعادها الأخرى، أي إظهار قوة وصلابة الرئيس الجمهوري الحازم في مواجهة الديمقراطيين الضعفاء.
بيد أن الفرق “الجزئي” التكتيكي بين الحزبين المتنافسين في السياسة الخارجية، على ضآلته البيّنة، هو ما ينتظره العالم تحديداً من نتيجة هذه الانتخابات- أي الأمل بإضاءة اللون الأزرق فوق “تلة الكابيتول” – بعد أن عانى هذا العالم من “إدمان على البلطجة” مارسه ترامب على الجميع بعدالة لافتة دون تفرقة بين صديق وعدو، وكانت المفارقة أن بعض هؤلاء الأصدقاء دفعوا الغالي والنفيس كي يُنتخب ترامب “القوي والحازم”، والذي سيضربون العالم بسيفه بعد إغلاق صفحة أوباما الضعيف بل “الخائن”، كما دعاه بعض كتّاب “النخبة المتواطئة”، بعد امتناعه عن تدمير سورية كما أرادوا، وهم ذاتهم الذين انتقلوا في عهد “ترامب” لممارسة التأصيل النظري والربط النهائي بين “حزمه” و”حزم سلمان”، الأمر الذي نتج عنه، قبل “جريمة القنصلية”، تزاوجاً فاجراً بين “غطرسة القوة” و”جنون المال” كعلامة على الحقبة الترامبية، ليتكشّف، في النهاية، حزم الأول وغطرسته عن بلطجة على أموال الثاني، فيما اصطدم حزم هذا الأخير بإرادة اليمنيين الصلبة ليقتصر لاحقاً على تقطيع جثث الصحفيين المخالفين لمشيئة الحاكم.
قصارى القول: هذه انتخابات مفصلية في الداخل الأمريكي، وخاصة لترامب ومستقبله السياسي والشخصي، فقد يواجه احتمالات العزل في ظل “كونغرس” ذي هيمنة ديمقراطية راجحة، لكنها، وإن بدرجة أقل، انتخابات حساسة للعالم أيضاً، فالمرحلة مقلقة للجميع، وإذا كانت الولايات المتحدة “على مفترق طرق”، كما قال أوباما، فإن العالم بدوره – وإن لم يكن ذلك مرتبطاً بنتيجة هذه الانتخابات بقدر ما هي مؤشّر عليه – يقف على أعتاب المفترق ذاته بحثاً عن بصيص ضوء سياسي لنظام عالمي جديد تتعدّد فيه مراكز القوى وتتوازن بما يحقق نوعاً من العدالة للجميع، إلا العرب فـ “العتمة السياسية”، التي يعيشون في ظلها، باقية وتتمدّد.
أحمد حسن