حقوق الإنسان مثال كلاسيكي على سوء النية الغربية
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع لوغراند سوار 2/11/2018
بكل أسف أدّى استخدام حقوق الإنسان وإساءة استخدامها كسلاح جيوسياسي إلى تحويل الحق الفردي والجماعي في المساعدة والحماية والاحترام والتضامن، على أساس كرامة الإنسان والمساواة للجميع، إلى ترسانة حربية لمهاجمة المنافسين أو الخصوم الاقتصاديين والسياسيين. وأصبح أسلوب “التشويه والتشهير العام” بحقوق الإنسان كسلاح كلاشينكوف المنتشر بقوة في هذا العالم.
غير أن التجربة أثبتت أن أسلوب التشهير العام العلني لا يخفّف من معاناة الضحايا، بل يسعى فقط إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية لبعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية المسيّسة بشكل كبير، ولجماعات الضغط “اللوبيات”، ولصناعة ناشئة من خلال تحويل حقوق الإنسان إلى أداة فعّالة في الاستنكار الانتقائي وزعزعة الاستقرار، وفي كثير من الأحيان، يُستخدم لتسهيل تغيير الأنظمة بغض النظر عن القاعدة الأساسية للقانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.
ترتكز هذه الإستراتيجية على الافتراض الخاطئ بأن “الشخص الذي يدين” لديه نوع من السلطة الأخلاقية، ومن المفترض أن تعترف “الدولة المندّدة” بهذا التفوق الأخلاقي ويجب أن تتصرف على هذا الأساس. وقد ينجح ذلك من الناحية النظرية إذا كان “الشخص الذي يدين” قد عاين الوقائع ومارس التشهير الإعلامي بطريقة غير انتقائية وتخلّى عن المعيار المزدوج. ومع ذلك، غالباً ما تنقلب هذه التقنية ضد “الشخص الذي يستنكر ويشجب”، لأن الجميع يدرك أنه يستخدم حقوق الإنسان “الانتقائية”، وغالباً ما يكون له أسرار وأهداف مبيّتة ومخزية يخفيها فيفقد مصداقيته الأخلاقية. هذا المثال الكلاسيكي على سوء النيّة الفكرية يعزّز بشكل عام مقاومة الدول أو الحكومات “المُدانة” التي ستكون أقل ميولاً لاتخاذ خطوات لتصحيح الانتهاكات الحقيقيّة أو المتخيلة لحقوق الإنسان. أو يمكن الافتراض أن “الشخص الذي يدين ويستنكر” يريد في الواقع أن يخلق مقاومة أكبر لدى الأشخاص “المُدانين” حتى يتمكن من تصعيد خطاب “الاستنكار”. هذا جزء من فكرة مكيافيلية لحقوق الإنسان التي ما هي سوى أداة للسياسة الخارجية لا تعمل مطلقاً على تحسين حياة الأفراد، وإنما لتعزيز الأهداف الجغرافية الاقتصادية والجيوسياسية “للمدافعين المزعومين عن حقوق الإنسان”!.
ثمّة تقنية أخرى للحرب ضد حقوق الإنسان تقوم على استخدام “القوانين” كسلاح لزعزعة الاستقرار، هذا ما يُسمّى “الحرب لمساعدة القانون”، وهو مزيج من “القانون والحرب” التي تستخدم “القانون” لتقويض دولة القانون باستخدام القانون الجنائي الدولي لتشويه صورة بعض القادة المختارين. هنا أيضاً تتجلّى ازدواجية المعايير. المفروض أن أي محامٍ أو قاضٍ محترم لا يخون مهنته من خلال لعب هذا النوع من اللعبة المزدوجة، لكن كثيرين يفعلون ذلك. بدلاً من الحفاظ على أخلاقيات دولة القانون، هؤلاء القضاة المسيّسون والفاسدون يقوضون مصداقية النظام القضائي برمته ويشوّهون سمعته، وأكبر مثال على ذلك قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وقضاة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، وقضاة محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان في سان خوسيه بكوستاريكا، حيث تفتقر بعض أحكامهم إلى التماسك وتنتهك المبادئ الأساسية. لم يعد “القانون” هو القانون، بل غدا سلاحاً سياسياً وتحوّل إلى سلاح دمار شامل.
كما تضمّ ترسانة حقوق الإنسان المستخدمة كسلاح الحروب غير التقليدية، مثل الحروب الاقتصادية وأنظمة العقوبات الاقتصادية التي تحاول الحكومات الغربية الامبريالية تبريرها بالانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في البلدان المستهدفة. ونتيجة هذه الحروب هي أنها تأخذ شعوباً بأكملها كرهينة دون تقديم أية مساعدة للضحايا أو لأولئك الذين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل حكوماتهم، أو لضحايا “العقاب الجماعي” من قبل الدولة أو الدول التي فرضت العقوبات، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وخاصةً عندما يتمّ تدمير الأمن الغذائي وتصبح الأدوية والأجهزة الطبية مفقودة أو لا تتوفر إلا بأسعار باهظة. من الناحية التجريبية، نعرف أن العقوبات الاقتصادية تقتل الشعوب، فقد تسبّبت أنظمة العقوبات ضد العراق وسورية أو فنزويلا بالفعل بوقوع الآلاف من المدنيين ضحايا لها، بسبب سوء التغذية أو نقص الأدوية، إضافةً إلى أنها أدّت إلى تدفقات الهجرة.
إن أسلوب “التشهير العام والعلني” للحكومات والشعوب ينطوي، في ظروف معينة، على مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون بانتهاك المواد 6 و14 و17 و19 و26 من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية.
خلاصة الكلام، على الرغم من أنه في بعض الحالات كانت هناك نتائج إيجابية “للتشويه والتشهير العلني العام”، ولاسيما من قبل بعض المنظمات غير الحكومية الخطيرة، فإن طريقة التصرف هذه تشكل مشكلة خطيرة، وهي بالتأكيد ليست حلاً لانتهاكات حقوق الإنسان. في الحالات المعقدة، غالباً ما ساهم “تشويه الرأي العام” في تفاقم الوضع أو أثبت أنه غير فعّال كلياً. لهذا من الأفضل للدول إعادة النظر في “الإنجيل” حسب تعبير ماثيو السابع ، واستبدال الأسلوب المنافق والمسيء “للتشهير العام” بمقترحات صادقة وتوصيات بنّاءة، تكملها خدمة استشارية، والمساعدة التقنية لتقديم مساعدة ملموسة إلى الضحايا على الأرض، بما في ذلك التعويض المباشر لهم.
إن نسج علاقات الصداقة وحسن النيّة والحفاظ عليها هو أفضل شيء يمكن القيام به لتطوير التعاون والتقدم في مجال حقوق الإنسان. والأكثر إلحاحاً، في الوقت الحالي، هو الدبلوماسية المدروسة والمفاوضات الموجهة نحو النتائج، وترسيخ ثقافة الحوار والمصالحة، وبالتأكيد ليست “ثقافة” العناد والنفاق هي التي تساعد الشعوب.