“سد الضمير” بريء من التهم الأهالي يكشفون حقيقة ما جرى.. والموارد المائية تستنفر كوادرها وتنفذ مشاريع تأهيل ووقاية احترازية
لم يكن من المتوقع أن تأتي الشهرة والحديث عن “سد الضمير” من خلال تبعات عاصفة جوية أدت إلى سيول وانجرافات غير مسبوقة على المستوى الأفقي، إلا أن ثمة من يريد الصيد بالماء العكر، ورمي تهم التقصير على سد عمره 52 عاماً قضاها بأمن وسلام قبيل الفيضان الكبير الذي جرف “الضمير” قبل الأتربة، ليتلقى السد التهمة التاريخية بـ “التطاول” على المدينة الصناعية في عدرا من خلال مزاعم حكاية انهيار دراماتيكية، ومن ثم انطلاق متوالية تهويل بسلسلة خسائر توازي الكلفة الاستثمارية لمعظم منشآت المدينة، ليتبادر في ظن الجميع بأن المدينة الصناعية قد مسحت بأكملها، واقتلع الفيضان أشجار الزيتون، وقضى على كل القرى والبلدات التي مر بها، وخاصة مدينة الضمير المجاورة للسد 2 كم فقط.
واقع “أصدق أنباء”
وبدورنا، كإعلام يبحث عن الحدث والحقيقة، قررنا، بعد أن هدأت العاصفة الكلامية والمطرية، زيارة المدينة والوقوف على حقيقة الأمر، حيث الواقع يحكي الحقيقة الكاملة التي رأتها العين وسمعتها الأذن من أهالي مدينة الضمير، وكما يقال “المياه تكذّب الغطاس”، وإذا صدقت الصورة التي تبادرت في ظن الجميع عند سماع القصص، وقراءة الأخبار، ومشاهدة التقارير، فإن السد مدان، والجهات المعنية والوزارات المختصة تتحمّل المسؤولية الكاملة للتقصير والترهل، لكن الواقع، وتأكيدات أهل الضمير “أصدق أنباء من التقارير والتهم”، وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها، فقصدنا الأهالي بشكل عفوي من دون موعد مسبق، واقتحمنا جلساتهم حول السد، و”دلة” قهوتهم المرة تحاكي جمال المشهد، وهدوء السد الذي بدا أكثر تماسكاً من الكثيرين الذين أصابتهم هشاشة التصريحات، ليؤكد الأهالي بأن السد لم ينهر، فهو كما هو، ولكن فاض بسبب قوة العاصفة وغزارة الأمطار، وأن السد مازال قائماً، ولا علاقة للكميات القليلة التي فاضت منه بكل ما حدث في مدينة عدرا الصناعية التي تبعد مسافة لا تقل عن 14 كيلومتراً، وإنما الأمتار التي غمرت أجزاء من منطقة الضمير التي تبعد أقل من ثلاثة كيلومترات، حيث أوضح المواطن أحمد سعيد حجازي، الرجل السبعيني، بأن المياه التي فاضت على المدينة الصناعية بعدرا أساسها من “وادي البراغيث” تجاه المدينة، لاسيما أنه قضى 40 عاماً في تلك المنطقة، ويعرف تضاريسها بالتفصيل، ليتفق مع رئيس الجمعية الفلاحية مصطفى إبراهيم، مبيّناً أن المدينة الصناعية دخلتها المياه من الوادي المذكور، والجبال المحيطة بالمدينة، وخاصة أن المدينة تم إنشاؤها في أخفض منطقة، ما يجعلها عرضة للسيول والفيضانات، معتبراً أن السد لو انهار لكان أغرق مدينة الضمير بالكامل، علماً أن السد أنشىء خصيصاً لدرء السيول عن الضمير.
ولم يمنع حديثنا مع الأهالي الحاج محمد من إطلاق ضحكة مجروشة بغبار الزمن، وخبرة حياة، حيث بيّن أنه لم يأخذ “السرتفيكا” الشهادة الإعدادية، ولكن بخبرته اعتبر أن المدينة الصناعية بنيت من دون تخطيط هندسي، فهي غير مجهزة لمواجهة مثل هذه الظواهر الطبيعية، من حيث تأمين قنوات تصريف مياه السيول والأمطار، وخاصة أن موقعها منخفض، مؤكداً أن السد يبعد عن المدينة 14 كم، فالسد حمى الضمير، ولم يدمر “عدرا الصناعية”، مازحاً: لو كان هناك انهيار للسد لجئتم إلينا بالزوارق أو سباحة!.
استغراب أهلي
واستغرب الأهالي التصريحات التي تدفقت بقوة تزيد عن قوة الفيضان، متسائلين: ما هي مصلحة أصحاب تلك التصريحات من زج سد الضمير في الواجهة؟!.
وأكثر ما لفت انتباهنا تدخل أحد مواطني الضمير الذي كان يجلس مع عائلته على ضفاف السد، حيث قال: إنه استمع لتصريحات الصناعيين وما قالوه عن أضرار منشآتهم جراء الفيضان، طالبين التعويض من الحكومة، ليرد بأنه في حال انهيار السد كان من الأولى مطالبتنا كأهالي الضمير بالتعويض أكثر ممن يحاولون ابتزاز الحكومة تحت عناوين دارجة في هذه الأيام، هي موضة التعويض بما أنها “صايرة وصايرة”!.
وتساءل الأهالي: لو، لا سمح الله، انهار سد الضمير، وغمر المدينة، وتضررت المنازل، هل سيطالب هؤلاء الصناعيون بتعويضات لأهالي الضمير، أو يشاركون ويخففون عن الحكومة بمساعدتنا؟!.
إجراء وقائي وشائعات كاذبة
ولم يختلف حديث رئيس بلدية الضمير خلود كسر عن تأكيدات الأهالي، حيث اعتبرت أن ما حدث في المدينة الصناعية بعدرا جراء السيول الجارفة من الجبال المحيطة للمدينة لا علاقة للسد به، علماً بأن المياه في حال الفيضان أو الانهيار، “لا سمح الله”، تتجه جنوباً باتجاه بلدة العتيبة، أما المدينة الصناعية فتقع غرب الضمير، فكيف وصلت المياه للمدينة وبعدها عن الضمير 14كم، معتبرة أن الموارد المائية قامت بإجراء وقائي احترازي بتفريغ السد باتجاه القرى والبلدات في الغوطة الشرقية، وصولاً إلى منطقة العتيبة استعداداً لأي منخفض جوي مطري أو ثلجي قادم للحيلولة دون الوصول إلى تسجيل هطولات مطرية تفوق طاقة السد التخزينية، وبالتالي حدوث فيضانات باتجاه منطقة الضمير والقرى المحيطة بها، وهذا ما أكده مدير الموارد المائية في ريف دمشق محمود العكر بأن المديرية تقوم بشكل دوري بتنظيف السد من تربة “الطمي” لكي لا ترفع من منسوب المياه، حيث تم تنظيف السد منذ شهرين بإزالة 75 ألف م3 من الطمي، كاشفاً عن المباشرة بإعداد إضبارة تنفيذ من أجل تأهيل السد، وتفريغ الطمي، وصيانة المفرغات، موضحاً أن السد آمن ومستقر وسليم من الناحية الإنشائية والتخزينية، وهو مستثمر منذ عام 1966، ويحقق الهدف من إنشائه، وهو درء الفيضانات على مدينة الضمير، علماً بأن الحجم المفيد للسد 1400 مليون م3.
ونفى العكر كل ما تم تناقله وتداوله عبر المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، مؤكداً أنه عار تماماً عن الصحة ولا أساس له، لاسيما تلك التي روجت بناء على تأكيدات البعض ممن يطلقون الشائعات جزافاً، والذين صرحوا لأكثر من وسيلة إعلامية عن انهيار سد الضمير، وتدفق مياهه الجارفة على شكل سيول، وبارتفاعات تراوحت بين ثلاثة وأربعة أمتار باتجاه مدينة عدرا الصناعية، وإغراق أكبر عشر منشآت صناعية بداخلها، وإلحاق الأضرار بعشرات إن لم نقل مئات الملايين من الدولارات: “مواد مصنعة جاهزة، مواد أولية، آلات، معدات، تجهيزات، مكاتب”، فضلاً عن الخسائر البشرية!.
زيارات واستنفار
بعد زيارة مدير عام هيئة الموارد المائية المهندس عمر الكناني مع مجموعة من المهندسين إلى الضمير والمناطق المحيطة، والاطلاع على الواقع، والرؤية الفنية والهندسية، ولقائهم الأهالي، أكد الكناني أن الهيئة على استعداد تام، واستنفار جميع كوادرها لتفادي أية سيول أو فيضان، وذلك باتخاذ الإجراءات الوقائية، وتقديم التجهيزات المطلوبة للتخفيف من شدة ما قد تتعرّض المنطقة له من كوارث طبيعية، علماً بأن الوزارة تقوم حالياً بالتعاون مع المدينة الصناعية ومحافظة ريف دمشق بإجراء دراسة لحماية المدينة الصناعية، كما تم إرسال فريق لقرية الجبة لإجراء دراسة أيضاً لحماية هذه المنطقة في حال تعرّضت للسيول والفيضانات.
ووجه الكناني المعنيين في مديرية الموارد بمحافظة ريف دمشق بتنظيف السواقي والأقنية والمسيلات في الضمير، والعمل على التواصل المباشر مع الأهالي بشكل دائم، وتتبع أي طارئ.
مشروع لحماية المدينة
يشار إلى أن مدير المدينة الصناعية بعدرا فارس فارس كان له تصريح للإعلام منذ أيام بأنه منذ الساعات الأولى لحدوث السيل تم الكشف الحسي عن المنشآت المتضررة العامة والخاصة، وتبع ذلك عقد اجتماع لمجلس المدينة بحضور محافظ ريف دمشق، ووزير الموارد المائية، نتج عنه تشكيل لجان لدرء الكوارث، وتقييم الأضرار التي لحقت بالمنشآت، كاشفاً عن أنه تم تشكيل فريق من مديرية الموارد المائية بريف دمشق، وإدارة المدينة الصناعية، بالتنسيق مع وزارة النقل لتنفيذ مشروع استراتيجي متكامل لحماية المنطقة كاملة، ودرء السيول عنها، قائلاً: “إن خط التصريف الأول تمت دراسته، لكنه بحاجة إلى مسح طبوغرافي لمعرفة مخارج المصارف الرئيسية، وخط الصرف الثاني محاذ للمدينة، ويلتقيان ويصبان في بحيرة العتيبة على أطراف الغوطة الشرقية على بعد 18 كم جنوب المدينة الصناعية”، مشيراً إلى أنه فور إنجاز الفرق الطبوغرافية الأبعاد والمسارات بشكل كامل ستتم المباشرة بالعمل لتنفيذ المشروع.
والجدير ذكره أن من يجول بأرجاء المدينة الممتدة على مساحة سبعة آلاف هكتار لا يكاد يلحظ آثار السيل أمام مشهد الحيوية الذي تعيشه، وعمال الصيانة يواصلون عملهم لإنجاز ما تبقى من عمل، حيث تشهد المدينة حركة متزايدة في 1600 منشأة عاملة، وفي ألفي منشأة قيد الإنشاء.
إصلاحات سريعة
نؤكد بأن ما أثير من عاصفة تصريحات من هنا وهناك، وتقاذف كرات الاتهام، لا يحل المشكلة، ولا يزيل آثار الفيضان، بل مع تكاتف الجهود، وإناطة كل جهة بمسؤولياتها بشكل صحيح، وعمل دؤوب، نصل إلى حالة صحية، ونحتوي ما حصل، فمن يقرأ تصريحات رئيس شعبة الصيانة بعدرا الصناعية الإعلامية وهو يؤكد بأن كادر المدينة أعاد على وجه السرعة عمل محطات الكهرباء، وتأمين التيار لباقي المنشآت التي لم تتضرر، يقتنع بأن الأضرار لم تكن كما صوّرها البعض!.
من المستفيد
يأتي ختام الكلام: في حال كان هناك تقصير من جهة ما فالكرة في ملعب الحكومة، وعليها محاسبة المقصرين بشكل فوري، وفي حال لم يكن هناك تقصير، بل هناك من يريد اقتناص الفرص في كل مفصل وكل إجراء، فالحكومة عليها التحقيق، وكشف من المستفيد، و”ضميره” سمح له بإطلاق هكذا تهم وإشاعات: “انهيار سد الضمير”!.
علي حسون