دراساتصحيفة البعث

التشرد أبرز علامات التقشف البريطاني

ترجمة: سلام بدور
عن موقع الأوبزرفر 28/10/2018
إن ارتفاع مستويات التشرد هو أبرز علامات التقشف، والرقم الذي سيتمّ سحبه من الصندوق الأحمر للمستشار هاموند لن يغيّر ذلك، لأن هناك نمطاً بات معروفاً ومألوفاً لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، وهو إطلاق التعهدات والوعود بشكل دوري لمحاربة الظلم الناتج عن عدم المساواة لتخفيف العبء عن الإدارة، ليستيقظ بعد ذلك ببضعة أسابيع المستشار في صندوق الإرسال ويقوم بإصدار ميزانية أو بيان، ليبدو الأمر كما لو أنه لم يتمّ النطق بأيّ من هذه التعهدات والوعود مطلقاً. لذلك فإن الميزانية القادمة هي أول فرصة حقيقية لاختبار ما إذا كانت تيريزا ماي تعني بالفعل ما قالته عندما وعدت بأن عقد التقشف قد انتهى في خطاب مؤتمر الحزب المحافظ الذي ألقته في وقت سابق من هذا الشهر، ما قد يعني تحولاً جذرياً للمستشار فيليب هاموند.
عندما بدأت التخفيضات بالتقلّص بالفعل في السنوات القليلة الماضية، تحوّل التقشف من المناقشات النظرية حول أفضل السبل لصرف الموازنة الإدارية إلى واقع الحياة اليومية للناس والتي تكمن وراء الخيوط المهتزة للنسيج الاجتماعي، ككبار السن والأشخاص الذين لم يعودوا يحصلون على الدعم الذي يحتاجونه للقيام بالأمور الأساسية، مثل الغسيل وارتداء الملابس والأكل، إضافة إلى تفكير بعض المدارس في تقليل ساعات العمل لعدم قدرتها على تحمّل تكاليف تدريس الأسبوع الدراسي العادي، كما أغلقت المكتبات ومراكز الشباب ومراكز الأطفال أبوابها بشكل دائم، إضافة إلى أن الأسر ذات الدخل المنخفض والتي تكافح من أجل تغطية نفقاتها تواجه المليارات التي تمّ إيقافها من فاتورة الفائدة. ولعلّ أكثر مظاهر التقشف وضوحاً هي تلك التي نراها اليوم في بريطانيا، فالفرشات والخيام المصطفة على جانبي شوارع البلدان والمدن في جميع أنحاء البلاد والتي تعدّ موطناً للأشخاص الذين اضطروا للنوم بشكل قاسٍ في الطرقات تشكل مشهداً أصبح شائعاً بشكل متزايد، حيث ارتفع عدد الأشخاص المقدّر لهم أن يناموا في الطرقات في أي ليلة بنسبة 169% منذ عام 2010، إلا أن أسوأ ما يمكن أن يصل إليه التقشف سيكمن في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون دخول غير مقيّد لسوقها الموحدة، لأن ارتفاع مستويات التشرد هي نتاج تقشف متعدد الأوجه، إضافة إلى نقص الاستثمار على المدى الطويل في الإسكان الاجتماعي، حيث انخفض مخزون البيوت المتاحة للإيجار من 7 ملايين، في الثمانينات، إلى أقل من 5 ملايين اليوم وذلك حسب تقرير خاص.
من جهة ثانية أدّت تخفيضات الرفاهية العميقة وارتفاع الإيجارات إلى وجود فجوة متنامية في العديد من مناطق البلاد، بين مساعدة الناس ذوي الدخل المحدود على تغطية مساكنهم وتكلفة السكن الفعلية في القطاع الخاص، حيث أدّت التأخيرات في الائتمان العام إلى تفاقم المشكلة مما دفع الناس إلى التأخر في سداد الإيجار ووضعهم في خطر فقدان منازلهم، ما قد يؤدي إلى تقلص الخدمات مثل الصحة العقلية وإعادة التأهيل، فالأشخاص الضعفاء أكثر عرضة لأن يجدوا أنفسهم في الشارع.
ووفقاً، لجورج أوزبون وفيليب هاموند، فقد كانت التخفيضات عبئاً ضرورياً على البلاد أن تتحمّله في أعقاب الانهيار المالي، إلا أنه في الواقع عبارة عن خيار سياسي متعمد، فقد كان باستطاعة مستشاري المحافظين عدم خفض الضرائب، وذلك لأنهم سيحصلون على تخفيضات ضريبية على الدخل قدرها 22 مليار جنيه سنوياً بحلول 2021 وذلك مع تدفق الفوائد إلى أكثر العائلات ثراءً، و13 مليار جنيه إسترليني تخفيضات ضريبية سنوياً، وترك بريطانيا مع واحدة من أدنى معدلات الضرائب من الشركات الاقتصادية المتقدمة.
ووفقاً لذلك فإن مليارات الجنيهات من التخفيضات في الإعانات والائتمانات الضريبية تعني أن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة والعائلات التي لديها أطفال قد يخسرون مبالغ طائلة، فأفقر خمس أسر من تلك التي لديها أطفال سيكونون أسوأ بمعدل 3000 جنيه إسترليني كحدّ وسطي سنوياً، وذلك نتيجة لتغيرات ضرائب الفائدة منذ عام 2010 كما ستكون الميزانية بمثابة سحابة سوداء للتذكير بالانعكاسات الاقتصادية للانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، فحجم الإيرادات الحكومية التي يجب أن يلعبها هاموند تعتمد بشكل كامل على افتراضات مكتب مسؤولية الميزانية حول كيف ستترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي في آذار القادم.
وهنا يجب على هاموند تقديم ثلاث ميزانيات على أساس الافتراضات التي يمكن أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو الافتراض الذي تمّ نجاح التفاوض بشأنه على صفقة التجارة الحرة، على غرار النمط الكندي والذي يتفق بطريقة ما مع حلّ قضية الحدود الايرلندية، إضافة إلى الافتراض الذي تُرك دون التوصل إلى اتفاق والذي من شأنه أن يوضح مقايضات معيّنة. والحقيقة هي أنه إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون دخول غير مقيد إلى سوقها الحرة، فإن أسوأ ما يمكن أن يكون عليه التقشف لم يأتِ بعد. فنهاية التقشف لن تكون من خلال الرقم الذي تم سحبه من هاموند وإنما من خلال الإجراءات الحاسمة التي يمكن لـ هاموند اتخاذها لوقف أو حتى لعكس خفض الإنفاق واستعادة مستويات الفائدة إلى ما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وعودة المكتبات ومراكز الشباب لفتح أبوابها، وأيضاً عندما يكون هناك عدد أقل من العمليات الملغاة والكثير من كبار السن القادرين على الوصول إلى خدمات الرعاية التي يحتاجونها، وعندما يكون هناك عدد أقل من الناس الذين يجبرون على النوم في شوارع بريطانيا!.