معوقات تحول دون اعتبار شجرة الزيتون محصولاً استراتيجياً.. هل نبحث عن حلول عاجلة وناجعة تضمن المستقبل..أم نبقى رهن الظروف والثقافة السائدة!؟
طرطوس – لؤي تفاحة
بخلاف ما هو متبع لدى الكثير من الدول التي تتشابه مع ساحلنا الأخضر، حيث تشتهر مناطقه بزراعة أشجار الزيتون بمساحات كبيرة جداً تصل لحدود “75 ألف هكتار” في طرطوس فقط، إلا أن الذهنية والثقافة السائدة لدى معظم المزارعين بأن شجرة الزيتون كبقية الأشجار الحراجية المنتشرة في بيئتنا الساحلية لاتحتاج إلا للقليل من الاهتمام والعناية.
ونظراً لمجمل هذ الوعي الجمعي لدى هؤلاء، فقد رسم الواقع مستقبلاً قاتماً بدأت ملامحه تظهر منذ فترة من خلال اقتلاع الكثير من المساحات المزروعة وقيام البعض ببيع حطبها للتدفئة أو بغرض تهريبه خارج الحدود تحت حجج مختلفة، حيث تعاني زراعة الزيتون جملة من الصعوبات والمشاكل التي حالت دون الاعتماد عليه كمحصول اقتصادي واستراتيجي يكفل للمزارعين في هذه المنطقة تأمين حياة لائقة وكريمة كبقية المحاصيل، مع الإشارة إلى تردد الجهات المعنية باعتبار الزيتون من المحاصيل الاستراتيجية تحت حجج واهية وغير مبررة وربما تكون غير موجودة على الإطلاق لدى متخذي القرار أصلاً!
ورغم متوالية الاجتماعات التي تدعو لها هذه الجهات المركزية أو المحلية وما يخرج منها من توصيات ومطالبات، لم تثمر وتتم ترجمتها على أرض الواقع كما يتمنى المزارع ويرغب، وكما هو متبع لدى الدول التي تتشابه وتعتمد اعتماداً أساسياً لمحصول، ويسهم بدعم الاقتصاد الوطني لجهة تصديره، بعد تأمين متطلبات الأسواق المحلية، ولدينا من الأمثلة من هذه الدول التي تغزو منتجها من زيت الزيتون معظم الأسواق الخارجية، في حين بقي موسم الزيتون لدينا أحجية عجزت عنها كل الجهات المعنية من اتحاد المصدرين والسورية للتجارة ووزارة الاقتصاد وغيرها عن فك طلاسمها.! إلا أنه من المفيد طرح المشاكل التي تعاني منها زراعة الزيتون في المنطقة الساحلية وطرطوس عل وعسى تبادر الحكومة ووزارة الزراعة بالدرجة الأولى للتحرك وتغيير الكثير من السياسات المتبعة والتي تركت الفلاح وحيداً أسيراً لقدره ومطواعاً لبيئته، بعيداً عن العلم وتقنياته ومنها غياب الطرق الزراعية وعدم وجود خطط لشق هذه الطرق، ولاسيما أن معظم المناطق المزروعة بالزيتون هي سفوح جبلية ومن الصعوبة بمكان الوصول إليها الأمر الذي أدى لإهمالها وتركها تنمو فيها الشجيرات والأعشاب حتى باتت هذه الأراضي أشبه بغابات من الحرجيات تعمل مديرية الزراعة على اعتبارها ضمن الحراج، وأيضاً بسبب قانون قاصر وغير عادل، وكذلك عدم تقديم الخدمات المطلوبة من تقليم وتسميد ورش بالمبيدات وغيرها، وكذلك نوعية الأشجار المزروعة والتي تشكل بيئة حاضنة لمرض عين الطاووس وغياب الأنواع المقاومة لهذه الأمراض، وغياب استخدام الأدوية والمبيدات الزراعية عن طريق وزارة الزراعة لضمان جودتها مع غياب أي دور للجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية بشكل فاعل وغياب النشاطات التوعوية التي تهدف لخلق ثقافة حقيقية لدى المزارع وإرشاده لضرورة الاهتمام بأرضه وخدمته لها، وعدم وجود صيغة قانوية تمكن مديرية الزراعة من استثمار الاراضي المتروكة الخالية من الاستثمار الزراعي بزراعة الزيتون، ولاسيما في المناطق المناسبة لنموه وعدم دعم المزارع بشكل عيني من خلال توزيع الأسمدة والأدوية وكذلك لنوعية الأدوية الموجودة في السوق مجهولة المصدر وعدم الثقة بفعاليتها وغلاء سعرها، وكذلك غياب عمليات الرش بواسطة الطيران لضمان رش جميع الحقول لكي لا تنتقل عدوى الأمراض فيما بينها من جهة، ومن جهة بسبب عدم إمكانية الوصول إلى هذه الأراضي بواسطة السيارات والآليات المخصصة لذلك، ولعل المعوق الأهم لدى المزارع هو عدم اعتبار محصول الزيتون من المحاصيل الاستراتيجية وعدم تشميله بصندوق الجفاف والكوارث الطبيعية كما هي حال القمح والقطن وغيرهما هذا فيما يخص الجانب الزراعي وأما من المعوقات التي تتعلق بعمليات استخراج الزيت وعمليات العصر والأسواق التصديرية، فلها الكثير من المواجع ومنها اعتبار مادة المازوت اللازمة في معاصر الزيتون على أساس السعر الصناعي وليس الزراعي وكذلك عمليات نقل المحصول إلى هذه المعاصر بوسائل بدائية ومتخلفة ومنها عدم نقله بصناديق بلاستيكية، الأمر الذي يؤثر على جودة المنتج وكذلك دفع قيمة 7% وعدم ربطها بقيمة الضرائب والرسوم المستحقة لأنها أقل بذلك بكثير إخضاع ضريبة المالية للدخل المقطوع وليس للأرباح الحقيقية الأمر الذي يشكل ظلماً واقعاً، ومع أهمية العمل على إقامة محطات لمعالجة مياه الجفت الناتجة عن العصر.
ومع ذلك فمن المفيد التذكير بأن الموسم الحالي هو موسم “معاومة ” حيث انخفض الإنتاج إلى اكثر من 30% مقارنة بالموسم الماضي، الأمر الذي ساهم بارتفاع سعر صفيحة الزيت “بيدون” إلى أكثر من ثلاثين ألف ليرة في طرطوس، وعلى الجهات الرسمية “تخيل” حاجة المواطن الفقير لهذه المادة الأساسية، وفيما إذا كان هذا السعر حقيقياً يعكس تكلفته الفعلية أم وهمياً ويعكس حالة من الاستغلال والطمع لمجمل الصعوبات آنفة الذكر ومنها تكاليف الإنتاج وأجور اليد العاملة وغيرها الكثير. !؟