ثقافةصحيفة البعث

“العالم الأزرق” سيف بحدٍ واحد

لقد أصبحنا مستلبين للعالم الأزرق، ولكل مرحلة من مراحل التطور الحضاري اسم من التسميات، ومصطلح “الإنساني الأيقونة” قدمه الزميل ديب علي حسن في ندوة “شآم والقلم” بعنوان “الفضاء المعلوماتي من المعرفة إلى الاستلاب العقلي”، وتحت عنوان: “الإنسان الأيقونة من الاستلاب التقني إلى التنويم الرقمي”، تحدث حسن: الإنسان الأيقونة المنمط أصبح وراء آلة مستلبة، وعملياً نحن مغرمون بالتقنيات وهذا حق وواجب، والحضارة تحمل لنا سيفاً ذا حدين، لكن نحن في الشرق حوّلنا هذا العالم الأزرق إلى حد واحد حد سلبي فقط.

وفي المقارنة بين كيفية استخدام الانترنت بيننا وبين بعض الدول، أضاف حسن: لجأت الحكومة إلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، وهناك من يعلّق على أخبارها ويرّد، وهناك من يحذف، لكن في الغرب الإنترنت ليس وثيقة، والحقيقة هناك الكثير من الكتب صدرت لدينا، بينما في الدول الأخرى تنبه لمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن للأسف لم يلتفت إلّا قلّة منّا لهذا التنبيه.

ذاكرة غبارية

في الواقع، لا أحد يستطيع نكران الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في قيام ما سمّي بـ”ثورات الربيع العربي”، ومن الكتاب المترجم بعنوان “أرابيسك أمريكاني” ترجمة وئام خلف الجراد، استشهد ديب بالقول: منذ عامين قال نائب رئيس مؤسسة الإنترنت إن على بلدان العالم الثالث توثيق كتبهم ومؤلفاتهم ورقياً لسبب بسيط وهو أنّ الإنترنت ذاكرة غبارية لا يمكن الفرار منه، لكن بكبسة زر يمكن مسحها، فهذه الذاكرة كلها موجودة في الولايات المتحدة، ويعطي الكتاب مثالاً يوضّح فيه أننا لا نستطيع استعادة معلومات حفظناها منذ أعوام ماضية لأنهم يبدلون كل عشر سنوات نظاماً من أنظمة الإنترنت، فنضطر إلى نقل ملفاتنا من نظام إلى آخر وهذا يكلف كثيراً. إذاً، نحن لا نتعرض للتجسس فقط، إنما لمسح هويتنا وتدمير ذاكرتنا المادية التي لا يملكون مثلها، ويجب أن ننتبه أن أمريكا والسعودية والصهاينة ليس لديهم آثار ولم يستطيعوا حتّى الآن اكتشاف أو إثبات أي أثر له علاقة بهم، لذلك دمروا الآثار، مثل آثار تدمر وغيرها.

الأزرق المتحكم

وعن “ملف غوغل” تابع المحاضر: يطرح الكتاب سؤالاً مهماً وهو: “ماهي هويتك على الإنترنت؟” ونحن جميعاً لدينا حسابات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير منها بأسماء وهمية، وهذا يدل على فصام في الشخصية، إذاً نحن على الأزرق بهوية متشظية ومراقبة، وهناك سؤال آخر يطرحه الـ”فيسبوك” علينا قبل أن نكتب أي شيء في صفحتنا وهو: بماذا تفكّر؟ وهذا سؤال استخباراتي وتجاري، ولقد عثرت على الجواب من كتاب “ملف غوغل” الذي يقول إن هذه البيانات هي بترول العالم، وأكثر أهمية منه وأنّ شركة “غوغل” هي الأضخم في العالم أي كل ما تكتبه مرصود، وهناك شركات تنتج وتقدّم بناءً على معلوماتك الشخصية التي تنشرها على صفحاتك، أيضاً هناك شي مهم ألا وهو أن الـ”فيسبوك” يذكرنا كل يوم بمنشوراتنا السابقة التي حصلت في مثل هذا اليوم، وهذا كله خدمة للاستخبارات، إذاً نحن لا نتحكّم بحياتنا إنّما العالم الأزرق هو من يسيّرنا.

خطر قاتل

كما أن التضليل الإعلامي الذي يمارسه هذا “العالم الأزرق” والذي لم يستطع أحد إيقافه، خطر آخر يقتل الحق ويحيي الباطل، وفي سورية وخلال سنوات الحرب، ما إن تتحرك المدفعية وتطلق باتجاه الوكر الإرهابي حتّى يبدأ الناس ببث الأخبار مباشرة عبر صفحاتهم، وهذه أسرار جيش يجب ألا ننشرها. وعن تدعيم بنيان المجتمع من هذه الأخطار ختم ديب محاضرته قائلاً: نحن على سكة الخراب الثقافي، فعندما كنت طالباً في الثانوية كان لدينا كل أسبوع يوم مكتبي، وفي الجامعة كنا نذهب إلى كليات أخرى من أجل حضور محاضرة لأستاذ في اللغة أو التاريخ، اليوم يأتي طالب لا يعرف إلا المنهاج، وعلى صفحات الـ”فيسبوك” نرى أن البعض لم ينه تعليمه الإعدادي ويصرّ على لقب الدكتور.

جمان بركات