مطب التخطيط الفاشل..!
لا يزال التخطيط في بلادنا يحبو متثاقلاً كنتيجة حتمية لعدم تبوئه المرتبة الأولى في أي مشروع يُشد العزم لإنشائه من جهة، واقتصار هذا التخطيط في حال تم الأخذ به بشكل حازم، على المدى القصير وربما المتوسط بأحسن حالاته من جهة ثانية..!
والأمثلة الشاهدة على كلامنا ربما تكون أكثر مما تعد وتحصى، فقدرة الطرق في محافظة دمشق وغيرها من المحافظات باتت غير قادرة على استيعاب ما يجوبها من سيارات، وسوء تصريف ما تجود به السماء من أمطار أضحت عبئاً وظرفاً طارئاً يحسب له ألف حساب، وشبه انعدام التوزيع السليم للمكونات الخدمية كالأفران ومحطات الوقود على سبيل المثال لا الحصر أجج حالات الازدحام، كل ذلك نتيجة عدم التخطيط السليم، هذا على المستوى الخدمي..!
أما على المستوى الاقتصادي والإنتاجي، فنجد الغياب الواضح لمفهوم التنمية المتوازنة على مساحة الجغرافيا السورية، فتركيز البنى التحتية الجاذبة للاستثمارات في محافظة ما دون أخرى يساهم بشكل أو بآخر باختلال البنية التنموية ككل على مستوى الاقتصاد الوطني، ولاسيما لجهة تأمين فرص العمل، وتطوير الواقع التنموي للعديد من المناطق خاصة تلك ذات المقومات الاستثمارية، وانعكاس ذلك بالنتيجة على الحالة الاجتماعية، وقد لمسنا هذا الأمر خلال سنوات الأزمة عندما شحت بعض السلع المنتجة لدى القطاع الخاص كونها محصورة في مناطق محددة بعينها، ولم يكن لها بديل آخر في مناطق أخرى، ورغم أن هذه السلع قد تكون غير أساسية إلا أن فقدانها من السوق ساهم بإدخال النظير الأجنبي لها في أسواقنا عبر بوابات التهريب وبأسعار مضاعفة..!
فإذا لم يلتقط صاحب القرار هذه الحيثية ويوظفها في الإعمار، نعتقد أن النتيجة الحتمية لها ستكون زيادة الغني غناً والفقير فقراً، وربما الأدهى من ذلك أننا في حال نجحنا برفع معدلات النمو، إلا أن ثقلها سيكون محصوراً بمناطق بعينها، وهذا يعتبر نقطة ضعف قد تصيب الاقتصاد الوطني بمقتله بلحظة من اللحظات، فلنتصور أن الثقل الرئيسي للصناعات الغذائية في سهل الغاب، وفجأة حل طارئ -وليكن مناخياً طبيعياً- بهذه المنطقة حال دون عملية الإنتاج، ألن نقع وقتها بخلل تسويقي ينعكس سلباً على الأسعار؟! وهذا ينسحب على جميع الصناعات والخدمات الأخرى..!
فالتخطيط السليم يبدأ من دراسة الطاقات الاستعابية للبنى التحتية على المدى الطويل بالنسبة للشأن الخدمي والعمراني، والتوزيع العادل للفرص الاستثمارية بالتوازي مع دراسة المقومات والخامات الاستثمارية الموجودة في موقع أي مشروع، مع إعطاء محفزات جذب للمشاريع المزمع إحداثها في المناطق النائية بالنسبة للشأن الاقتصادي..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com