“الخليفة عمر بن عبد العزيز- معجزة الدولة الأموية”
في كتابه “الخليفة عمر بن عبد العزيز- معجزة الدولة الأموية، يصف د. رحيم الشمخي شكل الخليفة عمر وصفاً دقيقاً يشبه ريشة الرسام إذ اتصف بجمال وجهه الأبيض وجسده الممتلئ، والأجمل هو ثقته بنفسه ومشيه كما ذكر الكاتب”متبختراً متكبراً” يرتدي أثمن الأردية، وركز على الترف الأموي الصارخ الذي اتصف به.
وبدأ الخليفة عمر من مصر التي تولى أمرها وعمل على مسابقة الخلفاء بالترف فبنى داره في حلوان وزخرفها بالذهب، تزوج من فاطمة ابنة عمه عبد الملك صاحبة النسب الأموي العريق، والمنعطف الذي اعتمد عليه الكاتب هو انتقال عمر بن العزيز إلى الزهد والتقشف وكيف علم زوجته الزهد بعد اختارته وتخلت عن المال والجواهر، ومن هنا تبدأ معجزات الخليفة العادل.
مبدأ الشورى
ويعود الكاتب إلى تاريخ عمر الذي حفظ القرآن الكريم ودرس الحديث النبوي الشريف وارتبط بمجلس ابن عتبة فوصل إلى مرتبة الاجتهاد”أتينا عمر فظننا أنه يحتاج إلينا فإذا نحن تلاميذه”، ثم ولاه الخليفة الوليد بن عبد الملك ولاية المدينة سنة سبع وثمانين للهجرة، وبدأ بإتباع مبدأ الشورى، وجمع بين العلم والفقه ورواية الشعر، وتوقف الكاتب لإيضاح المبادئ الحقيقية للإسلام فرغم تعمق عمر بالدين إلا أنه كان يستمع إلى الغناء والغزل ويرفع صوته بالتلاوة أثناء الصلاة، ويحب المزاح إلا أنه لايخرج عن الوقار، والأمر الهام في هذه المرحلة أنه قام بتوسعة مسجد المدينة وأقام الخانات على طريق الحج وحفر الآبار وفي عام تسعين تسلم راية الإمارة على الحجاز.
عزل الظالمين
ولرفضه ظلم الحجاج وازدياد مكانته بالحجاز أمر الخليفة الوليد بعزله، فعاد عمر إلى سورية وسكن في السويداء ثم عاد إلى دمشق، وحينما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك وأحس باقتراب أجله بايع عمر بن عبد العزيز، فبايعه الجميع، فحاول إصلاح حال المسلمين بعزل كل الظالمين، وجرد الأمراء من كل ما سلبوه من أموال المسلمين، وعامل أهل الذمة بود فكتب لولاته”لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار صولحتم عليه” وأوقف الفتوحات لأنها فقدت الغرض الأساسي بدعوة الناس إلى الإسلام.
هذا العدل انتهى بخيانة وبدس السم بكأس الخليفة عمر من قبل خادمه بمؤامرة من يزيد بن عبد الملك ليستلم الخلافة في سنة إحدى ومئة للهجرة، فدامت خلافته مدة سنتين وخمسة أو ستة أشهر ودفن في حمص.
ثم غيّر الكاتب من مسار السرد التاريخي التقليدي فعمل على تفنيد تفاصيل الإصلاحات التي قام بها الخليفة عمر عبر استخلاصها من المراجع الأساسية التي اعتمد عليها، فبدأ من الإصلاحات الاقتصادية، وأولها ضريبة الخراج وهو إيجار الأرض ودفعها إلى بيت مال المسلمين، وأمر بعدم أخذ الجزية من أهل الذمة، وأوقف الملكيات الفردية، وشجع على الزراعة، وعمل على تأمين الطرق البرية والبحرية، وإلغاء الضرائب على التجار.
بين جرير وكثير عزة
ومن أجمل فصول الكتاب ما دوّن فيه الكاتب ماورد في المصادر من رسائل ومواعظ وردت عن الخليفة، منها ما قاله الشاعر كثير عزة في مجلسه:
وصدقت بالفعل المقال مع الذي أتيت فأمسى راضياً كل مسلم
والأجمل ما قاله جرير فيه:
يدعوك دعوة ملهوف كأن به خبلاً من الجن أو مساً من البشر
العدل والمساواة
وينتقل الكاتب مما قيل في مجالسه إلى أجمل مقتطفات من خطبه التي تظهر تمكنه من سمات اللغة العربية بالإيجاز والتعبير.
“أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم”
ومن خطبه التي تبيّن عدله ودعوته إلى المساواة والمشاركة بين الفقراء والأغنياء” وددت أن أغنياء الناس اجتمعوا فردوا على فقرائهم، حتى نستوي نحن بهم، وأكون أنا أولهم، مالي وللدنيا أم مالها ومالي؟”
ومن دقة الخليفة باستحقاق زكاة التجار كتب إلى عامله على إمارة واسط”ألا تأخذوا من أرباح التجار شيئاً حتى يحول عليها الحول”.
ومما أورده الكاتب في متابعة الخليفة الدقيقة لأمور رعيته في كل مكان، فكتب إلى أحد أعماله”وقد كثر شاكوك، وقلّ شاكروك، فإما عدلت، وإما اعتزلت. والسلام”، ومما يدل على رحمته بالعباد ما كتبه إلى عدي بن أرطأة “فانظر إلى أهل الذمة فارفق بهم، وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال، فانفق عليه”.
ووصلت رحمته إلى أسارى المسلمين في سجون الروم بالقسطنطينة فكتب “فإنكم تعدون أنفسكم أسارى، ولستم أسارى، معاذ الله، أنتم الحبساء في سبيل الله”، ومن أجمل ما كتبه رده على عامله في حمص الذي يشتكي من الفقر في حمص، فأجابه الخليفة: “فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم، والسلام”، وخلاصة مبادئه فما كتبه إلى رجاء بن حيوة:”أما بعد، فإنه من أكثر من ذكر الموت اكتفى باليسير”.
جاء الكتاب في (144) صفحة من القطع المتوسط صادر عن دار أمل الجديدة – الطبعة الأولى.
ملده شويكاني