ابن سلمان.. يرتمي نهائياً في الأحضان الإسرائيلية
عندما يتحدّث ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان، المولود عام 1985، عن أن الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر المتوفى سنة 1970 ومرشد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني 1989م، وهما من كبار الشخصيات المؤثّرة في العالمين العربي والإسلامي في النصف الثاني من القرن الماضي، قد دمّرا المنطقة وتسبّبا بمشكلات كبيرة، يشعر المتلقي كأن المتحدّث ينتمي إلى جيل عريق من المفكرين والسياسيين المحلّلين، فالحديث عن هذين الرجلين بالذات لا يزال يتصدّر المجلات والصحف العربية والغربية، ولا تزال مواقف هذين الرجلين تؤثّر في السياسة الدولية حتى هذه اللحظة، فما الذي أراده ابن سلمان من التطاول على هاتين الشخصيتين العالميتين؟ وهل يمكن أن نعزو ذلك إلى هواية التسلّق على أكتاف العظماء التي يجيدها كثيراً غلمان آل سعود؟.
إذا تناولنا سيرة جمال عبد الناصر على سبيل المثال، نجد أنه من قادة ثورة 23 تموز التي أطاحت بالملك فاروق، وتخلّصت من النظام الملكي في مصر، الذي كان تابعاً بشكل من الأشكال للعرش البريطاني، كما قام بتأميم قناة السويس على خلفية الابتزاز الغربي بوقف تمويل بناء السد العالي على خلفية مواقفه العروبية التي عزّزت التأييد الشعبي له، وصولاً إلى إعلان الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر (1958 إلى 1961)، ووقَف الشعب العربي خلفه طوال فترة حكمه، لأن الرجل لم يتنازل لـ”إسرائيل”، ولم يقبل التبعية للغرب.
بالمقابل قاد السيد الخميني الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي أطاحت بالنظام الملكي، وعلى رأسه الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان شرطي أمريكا في المنطقة، والمدافع عن الكيان الصهيوني، وكان النظام السعودي يحتفظ بعلاقات قوية معه تصل إلى حدّ التبعية، على اعتبار أن النظامين كانا مدعومين من الغرب الاستعماري ممثلاً ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكان الخميني طبعاً مرجعاً دينياً وفيلسوفاً وكاتباً سياسياً من الطراز الرفيع.
لعل اشتراك الزعيمين في كونهما أزالا النظام الملكي في بلديهما، وأنهَيا التدخل الغربي في شؤونهما، وكذلك إجماع الأمة عليهما في تلك الفترة من القرن الماضي، هو أكثر ما يستدعي التوقّف عنده ليكون السبب الحقيقي وراء وضع ابن سلمان الرجلين في سلّة واحدة، وخاصة أن الرجلين ناهضا حتى النهاية الهيمنة الغربية والأنظمة الملكية في المنطقة، كما كانت مفاهيم السيادة حاضرة دائماً في قاموسهما، فكل القضايا التي كانوا يعالجونها كانت تنطلق من هذا المبدأ، وبالتالي لا بدّ لكل من ينتقد هذين الرجلين أن ينطلق من عدائه للمفاهيم والقيم التي كانا يحملانها، فارتماء النظام السعودي في أحضان أمريكا لا يمكن أن يستقيم مع التحدي الإيراني الواضح للهيمنة الأمريكية، كما لا يمكن أن يستقيم مع مناهضة عبد الناصر للاستعمار الغربي وقيادته حركة عدم الانحياز التي رفضت التبعية للغرب والامبريالية، ودعمت حركات تحرّر الشعوب من الاستعمار.
فإذا كان الرجلان قد اشتركا في مجموعة من المفاهيم، أهمّها نبذ التبعية والاستعمار، والمحافظة على استقلال الدول، وحفظ سيادتها، ومنع التدخل في شؤونها، وكذلك في انتصارهما على الملكيات الرجعية التابعة للاستعمار والامبريالية، فإنّ نظاماً ملكياً تابعاً في كل شؤونه للغرب، ولا يملك شيئاً من قراراته، والأهم من ذلك أنه يلهث وراء جعل وجود “إسرائيل” طبيعياً في المنطقة، ويستخدم كل الأساليب القذرة لتمكين هذا الكيان من الانتصار على إرادة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، والعودة إلى أرضه التي انتُزع منها بما في ذلك تدمير الدول العربية والإسلامية، ومحاربة روح المقاومة لدى الشعوب، فإن هذا النظام لا يمكن أن يتقبّل بأيّ شكل من الأشكال أن ترتسم دائماً أمامه صور الأبطال والمقاومين، لأنه نظام اعتاد على الذل والهزيمة والتبعية.
ومن هنا يمكن ببساطة أن نفهم الدافع الحقيقي لكلام ابن سلمان هذا، على الرغم من أننا واثقون أن هذا الكلام معدّ له سلفاً من سادته في الكيان الصهيوني وواشنطن، ولا يفقه منه شيئاً، ولو استطرد المذيع، وسأله عن معلوماته حول هذين الرجلين، فلن يتمكّن من ذكر أية رواية تتعلّق بهما.
طلال الزعبي