“الغيضة” شرقي السويداء.. خيارات إنعاش متعددة تتطلب إجراءات عاجلة
عدة طرق يمكن اتخاذها، مروراً بمدينة شهبا الأثرية، أو عبر منطقة ظهر الجبل، صعوداً إلى قرية غيضة حمايل، إحدى قرى المقرن الشرقي لمحافظة السويداء بمحاذاة البادية السورية، كل شيء هنا يوحي بالعزلة، حتى الأصوات تكاد تكون مكتومة تمتصّها حجارة البازلت التي بُنيت منها بيوت قرية عتيقة يقدّر عمرها بخمسة آلاف سنة، وهجرها أهلها منذ خمسين عاماً لصعوبة الحياة فيها، متخذين مساكن جديدة تعلو التلتين المتقابلتين المنحدرتين إلى أطراف “وادي الشام” موقعها القديم.
“وحدن”
اختيار المخرج نجدة أنزور القرية موقعاً لتصوير مسلسله “وحدن” أعاد إليها الحياة، فكانت القرية خلال فترة التصوير خلية نحل، كما يقول الأهالي، حيث أعاد فريق ديكور المسلسل ترميم مبانيها المتهالكة، وبناء الأدراج والممرات بين بيوتها الساحرة المبنية على مستويات عدة، ومد إليها طريقاً اسفلتياً حديثاً بدعم من المخرج، نائب رئيس مجلس الشعب، بعدما وجد في الغيضة القديمة موقعاً مثالياً يحقق فرضية العمل الذي يروي قصص مجموعة نساء وحيدات يعشن يومياتهن في غياب الرجال.
تصوير المسلسل في تلك المنطقة كان من المفترض أن يشكّل بوابة لكشف النقاب عن الأهمية السياحية والبيئية لتلك المنطقة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، فطويت تلك الأهمية مع انتهاء عمليات التصوير، ومغادرة فريق العمل للبحث عن مناطق أخرى لأعمال جديدة، أما السكان فمازالوا يأملون.
حياة صعبة
رئيس الجمعية الفلاحية حسين حمايل أشار إلى صعوبة الحياة وقساوتها في تلك المنطقة، والتي ازدادت في الآونة الأخيرة بعد الاعتداءات الإرهابية على القرية والقرى المجاورة، وصعوبة الحياة يلخصها حمايل بالتصحر القادم من الشرق الذي تصعب مواجهته بسبب نقص المياه، وقلة الأمطار، والتي ساهمت بتراجع المشاريع الزراعية، حيث يوجد بئر واحد للزراعة استثمرته مؤسسة المياه لأغراض الشرب بعد تعطل آبار الدياثة التي كانت تشكّل مصدر مياه الشرب الأساسي للمنطقة، وهذا انعكس سلباً على مشروع الحزام الأخضر الذي من المفترض أن يشكّل السد المنيع في مواجهة التصحر.
ورغم المساحات الزراعية الكبيرة التي يملكها مزارعو البلدة، والتي تصل إلى 5 آلاف دونم محاصيل حقلية، ومنها 200 دونم لمشروع الحزام الأخضر الذي يحوي نحو 6 آلاف شجرة لوز، إلا أن هذا المشروع لم يحقق ما يزيد عن 20% من الإنتاج المتوقع لأسباب عدة أهمها الجفاف، وغلاء مستلزمات الإنتاج، وهذا أدى إلى إهمالها من قبل المزارعين، وانعكس على مردوديتها، ولإعادة إنعاش هذا المشروع طالب رئيس الجمعية الفلاحية بتقديم قروض للمزارعين، وتوفير المياه، والتأمين على هذه المشاريع في حال تضررها، سواء من العوامل الجوية كالجفاف، أو العوامل البشرية كالحرائق، وغيرها.
منطقة سياحية
وبعيداً عن الواقع الخدمي كان لابد من الحديث عن وادي الغيضة الذي يعتبر أحد معالم القرية التي تتبع لمنطقة المشنف، ويشير الباحث الأثري حسين زين الدين إلى أن هذا الوادي يفصل قرية الغيضة إلى قسمين شمالي وجنوبي، مبيّناً أن القرية القديمة بنيت في أسفل الوادي قرب نبع ماء غزير منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، حيث عمد سكانها للاستفادة من مياه الوادي الموسمية في تدوير طواحين الحبوب المائية التي مازالت حالتها جيدة، فيما بنيت القرية الحالية فوق مرتفع غربي وادي الغيضة.
ويلفت زين الدين إلى أن الغيضة كانت وافرة المياه والظلال والمزروعات، وإعمارها يعود إلى مختلف العصور القديمة، حيث تنتشر فيها أوابد أثرية تنسب إلى عهود الصفئيين، والأنباط، والرومان، والغساسنة، والبيزنطيين، والعرب المسلمين، مشيراً إلى أن “أبرز الآثار الباقية إلى يومنا هذا هي تماثيل لآلهة، وبقايا معاصر عنب قديمة، ومبان متهدمة، وجرار فخارية”.
وتشتهر القرية القديمة أيضاً بوجود برجين كبيرين يعودان إلى العصر البرونزي يعتقد أن بناءهما كان مخصصاً للصيد، وللأغراض الدفاعية، حيث يتوسط البرج الأضخم القرية القديمة، ويشكّل أساساً معمارياً لها، وهو بناء كبير يقع في سفح الوادي الجنوبي، وغرس نصفه في السفح المائل، ويمكن رؤيته من بعيد، وهندسته الداخلية تنقسم إلى طابقين السفلي أوسع مساحة من الثاني، ومبنى من حجارة ضخمة موجهة ومشذبة، ويميل الجدار باتجاه الداخل لزيادة الدعم والمتانة، بينما الطابق الثاني يضيق كلما اتجهنا نحو الأعلى.
أما البرج الثاني فيقع على منحدر الوادي الغربي، وهو دائري مرتفع بشكل كبير، ويحقق مع البرج الأول اتصالاً بصرياً يمكن الإنسان من بث الإشارات الحركية، أو الصوتية للتنبيه عند أي خطر قادم عبر الوادي، حيث بني مسقطه بشكل دائري من حجارة محلية بازلتية كبيرة.
كما توجد في الغيضة، بحسب زين الدين، معصرة أثرية للعنب تقع غرب القرية عند سفح التل الذي يحتوي نوعاً نادراً من البازلت الأحمر الطري الذي يسهل فيه النحت، ويستخدم اليوم كمقلع لهذا النوع من الحجر الأحمر الطبيعي، حيث تتألف المعصرة من مجموعة أحواض قليلة العمق نحتت بالصخر الطبيعي بإتقان كبير، وتتصل فيما بينها بقنوات قليلة العرض مازالت على حالها.
برامج إنعاشية
واقع هذه البلدة يحتاج إلى إجراءات عاجلة لتثبيت السكان فيها، وإلا التصحر وزحف الصحراء سيتقدم أكثر فأكثر، وبالتالي ستخسر المحافظة مساحات زراعية واسعة هي بأمس الحاجة إليها، وقد يكون للسياحة دور في إنعاش المنطقة أيضاً عبر استثمارها سياحياً.
رفعت الديك