الهرولة الخليجية نحو “إسرائيل”
د. رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي
الآن وبعد كل ما يحدث في الوطن العربي من احتلالات أمريكية وصهيونية وتركية وأطلسية في فلسطين وسورية والعراق وليبيا واليمن، لا توجد قوة تجبرنا على أن نساوم على ذاكرتنا، ولا على حقوقنا المشروعة، لا أحد يستطيع أن ينكر، (إذا كان يملك الضمير)، المواقف الأمريكية الظالمة التي تتسم بالعنصرية مهما توارت وراء مسميات سموها هم وآباؤهم، أمثال: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي، ولا أحد يستطيع أن ينكر دور أمريكا المنحاز إلى الكيان الصهيوني، ومن هنا بات تراكم الأحداث باتجاه واحد في السنوات الأخيرة يدل على تغيير كيفي في حال القضية الفلسطينية إقليمياً، ولم يعد في وسع المحلل والمراقب تجاهل عنصرية “إسرائيل” المغتصبة لأرض فلسطين العربية.
لم تكن المعركة مع الصهيونية منفصلة عن الشعوب العربية، بل كانت جزءاً من القضايا العربية القومية، وكانت رمزياً هي القضية العربية لأنها كثفت في ذاتها باقي القضايا القومية، مثل التجزئة، والتبعية، والهيمنة الخارجية، وقطع التواصل العربي، وشرعية الأنظمة، ومارس العرب، (أو لما يمارسوا حين مارسوا)، تضامناً مع الفلسطينيين على المستوى الإنساني، أما على المستوى السياسي فلم يكن الحديث ممكناً عن تضامن، إذ إن المعركة واحدة.
وبالرغم من اتفاقيات كامب ديفيد الخيانية وما تبعها بين “إسرائيل” ومصر، وزيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للأرض المحتلة عام 1977، بان للقاصي والداني مدى الخضوع العربي للكيان الصهيوني، وما تبعه من دول عربية أخرى من عقد اتفاقيات يكشف عن جوهر المسألة الحقيقي بأن “إسرائيل” عازمة على ضم أطراف عربية أخرى للسير في فلكها لتمييع نضال الشعب العربي الفلسطيني، وطمس معالم القدس العربية، واعتبارها عاصمة “إسرائيل” الأبدية “الدولة اليهودية”، هذه الأطراف العربية تسابقت هي الأخرى: (السعودية، قطر، الإمارات، والكويت)، هذا ما يقوله البروفيسور بن زيون دينور: “علاقاتنا مع دول الخليج جميعاً ترتقي إلى التفاهم في مضمار الحفاظ على وجود دولة إسرائيل”.
“صفقة القرن” هي في الأصل مبادرة “إسرائيلية” للسلام، وترمي إلى تحقيق حل شامل متعدد الأطراف للنزاع العربي الصهيوني، وفي الطليعة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كما ترمي إلى تحميل العرب مسؤولية هذا الصراع، وتعفي الجانب الإسرائيلي من الذنب الناجم عن استمراره، و”صفقة القرن” شراكة إسرائيلية مع الأقطار الخليجية بصورة خاصة، وبعض الأقطار العربية بصورة عامة بقيادة أمريكية تحت شعار وضع حد للصراع في الشرق الأوسط من خلال تشكيل كيان فلسطيني بديل عن الدولة الفلسطينية، وعن طريق اتحاد كونفدرالي مع الأردن ومصر، و”صفقة القرن” تلغي حق العودة، وتجنيس الفلسطينيين في الدول المقيمين فيها، وأن تكون القدس عاصمة لـ “إسرائيل” وغيرها مما يحلو لـ “إسرائيل” من مكاسب سياسية، وعسكرية، واقتصادية.
وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية “أن هناك عرضاً خليجياً في إطار جهود استئناف عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، ويتضمن هذا العرض تطبيعاً كاملاً مع “إسرائيل”، وإقامة علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني في مقابل تجميد الأخير، جزئياً، البناء في المستوطنات، والسماح بحرية التجارة في قطاع غزة، وتشمل خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني ما يسمح بحقوق الطيران على متن الطائرات الإسرائيلية، ورفع القيود المفروضة على بعض مجالات التجارة، وأن مواقف بعض الدول العربية والخليجية مضمنة في ورقة نقاش غير منشورة ومتوائمة مع ما يطرحه الرئيس ترامب، ومن خطوات بناء الثقة التي يمكن أن تشملها عملية التطبيع، إصدار تأشيرات للفرق الرياضية الإسرائيلية والوفود التجارية للمشاركة في الفعاليات الاقتصادية في هذه الدول، بل وإدماج “إسرائيل” بشكل أفضل في هيئات التجارة والأعمال الإقليمية.
ويشير المراقبون إلى أن السعودية والإمارات أبلغتا “إسرائيل” باستعدادهما لاتخاذ خطوات في هذا الشأن، وأن مبادرة دول الخليج تؤكد على تحسن كبير في العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج في السنوات الأخيرة بفعل المخاوف المشتركة من إيران، كما أن هذه المبادرة الخليجية أكدت على التعاون في المجالات الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وبشكل خاص فيما يتعلق بشحنات الأسلحة الإيرانية إلى سورية واليمن كما يدّعون.
وقد لعب وزير الطاقة الإسرائيلي “بوفال شتاينتز” في هذا المجال، حيث إنه قام بزيارة أبوظبي عام 2017 لافتتاح مشاريع إسرائيلية تعمل في مجال الطاقة المتجددة وقال حينها: “إن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تقدم المعدات المتطورة، بما في ذلك الخاصة بأنظمة المراقبة لكل من السعودية والإمارات وقطر”، وأكبر مثال للعلاقات الإسرائيلية- الخليجية مؤخراً زيارة وزيرة الثقافة والرياضة في الكيان الصهيوني “ميري ريغيف” للإمارات، وهي تقوم بجولة في مسجد زايد برفقة أشخاص يرتدون الزي الإماراتي، وتبادل عبارات الشكر معهم.
والحقيقة أن “صفقة القرن” هي صفقة إسرائيلية لرسم حدود “إسرائيل” اللقيطة، وهذا ما يذكّرنا بمقولة “غولدا مائير” رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة عندما سألت عن حدود “إسرائيل” فقالت: “عندما نصل إلى الحدود سنخبركم بذلك”.