العالم يحيي ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى
شهدت العاصمة الفرنسية باريس أمس مراسم غير مسبوقة لإحياء الذكرى المئوية لتوقيع الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وذلك بمشاركة نحو 70 رئيس دولة وحكومة، في ظل إجراءات أمنية مشدّدة.
وحسب المراقبين فإن المراسم الخاصة بالمناسبة وهذه الضخامة غير المعهودة تثير الكثير من التساؤلات حول ما يمكن أن ينتج عن تجمّع كل هؤلاء القادة وإحياء مثل هذه الذكرى.. هل هو تجمّع لعهد جديد يبشّر بسلام عالمي وحالة من الاستقرار أم تجمّع يمكن أن يسبق حرباً عالمية جديدة في ظل الغيوم الكثيرة التي تتلبّد في الأفق في ظل السياسات التي تتبعها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون تجاه الكثير من القضايا والأزمات الدولية.
وفيما يخص القمة، أكدت الكلمات التي ألقيت الرغبة في إنهاء الحروب وبدء عهد جديد على مستوى العلاقات الدولية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يستضيف الزعماء في قصر الإليزيه، إلى نبذ الانطواء والعنف والهيمنة، وخوض ما سماه “المعركة من أجل السلام”، وقال: “دعونا نضمّ آمالنا بدل أن نضع مخاوفنا في مواجهة بعضها”.
في مقابل ذلك أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده للحوار مع واشنطن حول مختلف القضايا، كما بيّن أن فكرة تشكيل جيش أوروبي ليست بجديدة، وهي إيجابية لتعزيز التعددية في العالم.
وعلى هامش الاحتفالات بالذكرى، قال بوتين خلال مقابلة مع قناة (آر تي) الناطقة باللغة الفرنسية: “نحن مستعدون للحوار.. ولسنا نحن من ينسحب من اتفاقية الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى.. بل الأمريكيون هم من يريدون ذلك”.
وأشار بوتين إلى أنه لم يعقد محادثات ثنائية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب بسبب “المراسم”، مشيراً إلى أنه “اكتفى بمصافحته” ومرجّحاً أنه قد يلتقي ترامب خلال قمة العشرين.
وحول اقتراح ماكرون إنشاء جيش أوروبي موحّد، قال بوتين: “فكرة تشكيل جيش أوروبي ليست بجديدة.. وهي إيجابية لتعزيز التعددية في العالم”.
وتؤكد الكلمات السابقة وجود نيّات لعهد عالمي جديد، ولكن الوقائع على الأرض تشي بالكثير من الاختلاف، فالظروف السائدة في العالم اليوم تبدو شبيهة بتلك التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى مع عودة الصراعات بين روسيا والصين والدول الصاعدة من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في الغرب من جهة أخرى، بسبب الحملات التي تشنّ على روسيا على خلفية مواقفها مع الصين ودول أخرى من السياسات الغربية الساعية إلى فرض الهيمنة على العالم والاستمرار في انتهاك المعايير والقوانين الدولية.
ومع تولّي ترامب الرئاسة بداية العام الماضي، أصبح العالم يسير على طريق التوتر وعدم الاستقرار مع انتهاجه استراتيجية تشجّع على سباق التسلّح الذي يزيد من احتمال وقوع حرب نووية كارثية، فضلاً عن سياساته المتهورة والتهديدات التي يطلقها ضد دول أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يضع العالم في الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة.
ونشبت الحرب العالمية الأولى في أوروبا في تموز 1914، واستمرت نحو أربع سنوات، حيث انتهت في الـ11 من تشرين الثاني 1918، وجمعت قوات الحلفاء، وهم (المملكة المتحدة وايرلندا والجمهورية الفرنسية الثالثة والامبراطورية الروسية) ضد دول المركز (الامبراطورية الألمانية والامبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا)، ونتجت عنها آثار كارثية، حيث قتل أكثر من تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدني، بينما تصاعدت وتيرة جرائم الإبادة الجماعية والأوبئة، إضافة إلى أنها أعادت صياغة سياسات أوروبا وتركيبتها السكانية لمدة 20 عاماً قبل أن يشهد العالم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وكان ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل احتفلا أمس الأول بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وتضمّن الاحتفال توقيع نسخة معدّلة من اتفاق هدنة 1918 داخل عربة قطار تاريخية في منطقة ريتوند مكان إبرام هدنة انتهاء الحرب العالمية الأولى، في إشارة رمزية لترسيخ الصلح بين بلديهما.
وتفقّد ماكرون وميركل قوات من فرقة فرنسية ألمانية مشتركة قبل إزاحة الستار عن لوحة تعبّر عن الصلح والصداقة المتجددة بين الدولتين اللتين كانتا عدوّين في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وقال ماكرون مخاطباً عدداً من الشبان: “أوروبا تعيش في سلام منذ 73 عاماً، لأن ألمانيا وفرنسا تريدان السلام”، مشيراً إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
وأشار قصر الإليزيه إلى أنها “المرة الأولى منذ 1945” التي يلتقي فيها رئيس فرنسي ورئيس حكومة ألمانيا في موقع توقيع الهدنة.