فلاحو الحسكة.. الأمطار شجعتهم على الزراعة.. والأمراض حصدت تعبهم وخفّضت إنتاجهم
شجعت الأمطار الأخيرة التي شهدتها محافظة الحسكة في منتصف الشهر الماضي الفلاحين والمنتجين على الإسراع بزراعة الزراعات الشتوية، ولاسيما الاستراتيجية منها، كالقمح والشعير اللذين تتركز زراعتهما في المناطق الشمالية في المحافظة، وهي مناطق: ريف القامشلي، الدرباسية، عامودا، رأس العين، بينما تعتمد مناطق جنوب المحافظة بشكل كبير في زراعة هذه المحاصيل على الزراعة البعلية.
وقد سجلت عمليات التسويق تراجعاً، فبعدما كان إنتاج سورية قبل هذه الحرب الكونية الظالمة يقارب ثلاثة ملايين وتسعمئة ألف طن من الأقماح، تراجع خلال عام 2012 إلى مليون وستمئة ألف طن، بينما يسجل انخفاضه خلال عامي 2015 و 2016، حيث لم يتجاوز إنتاج العام الواحد منهما 425 ألف طن، هذا على مستوى القطر، بينما الحسكة التي تعتبر العاصمة الزراعية لسورية، والتي كان إنتاجها عام 2011 /792/ ألف طن من الأقماح، تراجع في السنة التي يليها إلى 711 ألف طن، بينما وصل إنتاج المحافظة خلال عام 2015 إلى 315 ألف طن، أما خلال العام الماضي فوصل إنتاج المحافظة إلى 184 ألف طن، وسجلت أسوأ رقم تسويقي العام الحالي، حيث اقتصر تسويق العاصمة الاقتصادية على 48 ألف طن.
مراكز التسويق
كان عدد مراكز التسويق على مستوى القطر يزيد عن 145 مركزاً، ليسجل العام الفائت نحو 25 مركزاً، بينما كان عدد مراكز التسويق في محافظة الحسكة قبل عام 2011 /41/ مركزاً، وتراجع خلال الأعوام السبعة الأخيرة ليصل إلى مركزين، وهما مركزا الثروة الحيوانية، وجرمز في مدينة القامشلي، ويرى الخبراء الزراعيون أن السبب هو انخفاض الإنتاج الذي تعيشه العاصمة الاقتصادية محافظة الحسكة التي كانت تسوّق قرابة نصف إنتاج القطر قبل الحرب الكونية الظالمة على سورية، وسيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة على مساحات واسعة من أرياف القطر، ومنع وصول مستلزمات الإنتاج الزراعي إلى المحافظة، ومنع تسويقها إلى المراكز الحكومية، وفرض ضرائب باهظة على الفلاحين والمنتجين، واتباع سياسات التهجير الممنهجة من قبل تلك المجموعات الإرهابية، إضافة إلى توجه المزارعين والمنتجين إلى زراعة النباتات العطرية كالكمون، والكزبرة، واليانسون، ذات الربح السريع، وعزوف الفلاحين عن العمل الزراعي الذي أصبحت تكاليفه تفوق إنتاجه، فقد بلغ شراء الطن الواحد من بذار محصول الشعير في الأسواق المحلية أكثر من مئتي ألف ليرة سورية، هذه الأمور مجتمعة سبّبت تراجعاً حاداً في الإنتاج والتسويق، يضاف إلى ذلك انقطاع التيار الكهربائي، وتخريب 90 في المئة من شبكات الري، خاصة في أرياف دير الزور، وحلب، والرقة، ما أدى إلى توقف شبه تام في زراعة المحاصيل المروية.
زراعات استراتيجية
واقع محصول القطن لم يكن أفضل من القمح، فقد بيّن المهندس رجب سلامة، معاون مدير زراعة الحسكة، أن المنخفض الجوي شمل جميع أرجاء المحافظة، وشجع فلاحي المحافظة على الإقبال على زراعة أراضيهم وحقولهم الزراعية بالزراعات الاستراتيجية كالقمح والشعير.
وبيّن سلامة أن خطة زراعة المحافظة لمحصول القمح والشعير للموسم الحالي تبلغ 298 ألفاً و367 هكتاراً من القمح المروي، و24 ألفاً و331 هكتاراً من الشعير المروي، و445 ألفاً و526 هكتاراً من القمح البعل، و333 ألفاً و534 هكتاراً من الشعير البعل.
بالمقابل عانى فلاحو الحسكة الكثير من المعوقات والصعوبات التي أدت إلى تدهور الإنتاج الزراعي خلال فترة الحرب الكونية على سورية من تواجد المجموعات الإرهابية المسلحة على الطرق المؤدية للمحافظة، ما أدى إلى ارتفاع قيم مستلزمات العملية الزراعية، ومنها الأسمدة والبذار، إضافة إلى ندرتها، فقد عانت المحافظة حصاراً دام أكثر من خمس سنوات، إضافة إلى الجفاف الذي أثر بشكل سلبي في إنتاجهم من محصولي القمح والشعير، وأدى إلى خروج مساحات زراعية شاسعة من دائرة الإنتاج، وإلحاق أضرار مالية بالمزارعين الذين حاول البعض منهم التعويض عبر التوجه إلى زراعة القطن، حيث زادت المساحة المزروعة به العام الحالي ثلاثة أضعاف قياساً بالمساحة المزروعة العام الماضي.
ومن الصعوبات الأخرى التي أدت إلى تراجع إنتاج محصول القطن في المحافظة إصابة المحصول بدودة اللوز الشوكية التي أخذت بالانتشار الواسع في معظم حقول القطن بالمحافظة، ما يهدد الإنتاج، ويكبد الفلاحين خسائر فادحة، على الرغم من قيام البعض منهم بمكافحة المساحات المصابة ولكن دون جدوى.
أسباب الانتشار
أشار فلاحو المحافظة إلى أن أهم أسباب انتشار هذه الآفة هي شراء بذور القطن من مصادر مجهولة، والتي استخدمها الأهالي في الزراعة، وتحوي بيض هذه الحشرة، إضافة إلى الأجواء الدافئة التي كانت سائدة بداية زراعة المحصول، والتي ساعدت في فقس البيوض، وانتشار الحشرة في الحقول، يضاف إليها عدم وجود مبيدات حشرية فعالة قادرة على القضاء عليها، وبيّنوا أن جميع الأراضي المزروعة بالقطن مصابة بشكل كبير بالحشرة التي كانت تتغذى على الأزهار، والآن تتغذى على جوز القطن، وأن المبيدات ذات فعالية ضعيفة، إضافة إلى أنه لا فائدة من مكافحة الحقل إذا كانت الحقول المجاورة مصابة، بينما توجه البعض إلى بيع المحصول إلى مربي الأغنام لاستخدامه كمادة علفية بهدف التعويض ولو بنسبة بسيطة عن خسائر زراعة القطن، وتكاليف عمليات الري التي قاموا بها!.
نسب الإصابة
مديرية زراعة الحسكة بيّنت أسباب ذلك على لسان معاونها المهندس رجب سلامة بأن المساحة المزروعة بمحصول القطن للموسم الحالي تبلغ 5 آلاف هكتار، وجميع الحقول المزروعة بالقطن مصابة بالدودة بنسب إصابة تتراوح بين 3 و11 بالمئة، متجاوزة بذلك العتبة الاقتصادية، وأن بؤرة الإصابة متركزة في مناطق شمال المحافظة، ولاسيما رأس العين، وأبو راسين، وتل براك، ونسبة الإصابة ستؤثر سلباً في الإنتاج، وتخفضه بنسب تتراوح بين 40 و80 بالمئة، مبيّناً أن مخابر مديرية الزراعة التي كانت تنتج الأعداء الحيوية لدودة اللوز هي خارج الخدمة نتيجة الظروف الأمنية، الأمر الذي زاد من انتشار الدودة، يضاف إليها استخدام الأهالي بذور قطن مجهولة المصدر في زراعة الأراضي، ووجود مبيدات حشرية ضعيفة الفعالية لا تؤثر بشكل فعال في الدودة.
الاهتمام والدعم
لابد من الاهتمام بهذه المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، ودعم الفلاحين بكافة سبل الدعم من أجل الارتقاء باقتصادنا الوطني الذي كان أحد عوامل الانتصار، على الرغم من انحدار عمليات التسويق من خلال عمليات توفير كافة مستلزمات الزراعة، وتخفيض أسعارها، وتشجيع الفلاحين والمنتجين على الزراعة لتكون عاملاً أساسياً لتجذرهم في حقولهم ومزارعهم.
الحسكة- اسماعيل مطر