“ألمانيا وسورية والشرق الأوسط” في ندوة المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي لويكفلد: “أمن “إسرائيل” أهم محدّدات السياسة الخارجية الألمانية
دمشق- ريناس إبراهيم – سنان حسن :
تحت شعار “حقوق الإنسان” وعلى طول السنوات السبع الماضية حاولت دول غربية التدخل في الشؤون السورية متجاهلة مبدأ السيادة ومتذرّعة بالحرص على الشعب السوري، بينما يقول لسان الواقع: إن تلك الدول عينها قد موّلت الإرهاب في الوطن العربي عامة وسورية خاصة، وأزهقت أرواح الأبرياء. ولكن الحقائق تتكشف والأصوات المناهضة للأكاذيب تتعالى في النهاية، فقد بيّنت الصحفية الألمانية كارن لويكفلد أن السياسة الألمانية تجاه سورية والشرق الأوسط ترتبط بشكل وثيق بالسياسة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وأن أمن “إسرائيل” هو قضية أمن دولة بالنسبة لألمانيا، ولا مجال لانتقادها تحت أي مسمى، فتهمة معادة السامية جاهزة دوماً.
لويكفلد، وخلال الندوة التي نظمها المركز الوطني للبحوث واستطلاع الرأي في دار البعث تحت عنوان “السياسة الخارجية الألمانية تجاه سورية والشرق الأوسط”، أوضحت أنه في عام 2011 اعتمدت وزارة الخارجية الألمانية برنامج “تغيير الدول العربية وتحويلها” عبر تقديم معونات مالية للدول العربية “الراغبة بتغيير نفسها” وبالاعتماد على ركنين رئيسيين هما “الإعلام والمجتمع المدني”، مؤكدةً أن السياسة الألمانية قدّمت الدعم للمناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين، وفي العلن يقال: إنه دعم للمجتمع المدني، بينما هو في الحقيقة دعم للمسلحين وتكريس لتقسيم سورية، كما أن هناك قوات ألمانية ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وعبّرت بالقول: “كان على الحكومة الألمانية أن تأخذ موافقة البوندستاغ بخصوص الدخول في هذا التحالف، لكن ذلك لم يحدث”.
وفيما أكدت أن العلاقة مع إيران أساسها اقتصادي، وأشارت إلى أن ألمانيا مهتمة بالتعاون مع طهران والحفاظ على الاتفاق النووي، شددت على أن العائق هو “إسرائيل”، التي تملك دوماً ورقة ضغط ضد ألمانيا، وهي أسطورة اليهود واضطهادهم من قبل النازية.
وقالت لويكفلد: هناك في ألمانيا 80 مليون مواطن تصلهم المعلومات عبر وسائل الإعلام التي تسيطر الحكومة على معظمها، وتبث أخباراً متوافقة مع السياسة العامة، كما أن هناك لجنة متخصصة لمتابعة الأنباء وأي أخبار مخالفة يتم التشهير بها على أساس أنها أخبار ملفقة وكاذبة، موضحةً أنه بإمكان المواطنين الألمان أن يحصلوا على معلومات مغايرة لما تبثه الحكومة فقط عبر اللقاءات والندوات المفتوحة وهذا قليل، كما أكدت أنه هناك في البوندستاغ “البرلمان” أحزاب معارضة كبيرة تطالب بتغيير السياسة الحالية وبإعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق، وأضافت: “لم يحدث أي استقصاء للرأي، لكن من خلال حواري مع المهتمين بالسياسة تبين أن 15-20 % وأكثر يحبذون سياسة خارجية مختلفة، وهي ليست نسبة عالية”، مؤكدةً أن هناك نقاشاً دائماً حول موضوع “الإخوان المسلمين” وحضورهم وتأثيرهم في ألمانيا، ولكن لا يسلط الضوء عليه في وسائل الإعلام الألمانية.
وأضافت لويكفلد: هناك بالتأكيد مجموعات ضغط، وأكبرها في ألمانيا”أصدقاء إسرائيل” المنتشرون في كل مكان، والمنظمون بشكل جيد والذين تقدّم “إسرائيل” دعماً كبيراً لهم. ولا يمكن مواجهة هذه المجموعات نتيجة التاريخ الألماني، بالتأكيد هناك ناشطون يقفون ضد هذه المجموعات، لكنهم يفتقدون للدعم والمال”.
أما بخصوص اللاجئين، فإن استقبالهم، بحسب لويكفلد، مرتبط بالوضع الديمغرافي في ألمانيا، وهذا تأكيد بأن السياسة الداخلية والخارجية وجهان لعملة واحدة، ولكن لا يوجد قانون للهجرة في ألمانيا مثل دول أخرى ككندا أو استراليا، والشعب الألماني يتجه نحو الشيخوخة وقوة العمل بحاجة إلى رفدها بطاقات جديدة، ولا تقتصر الهجرة على سورية فقط، حيث دفعت الأزمة التي ضربت الاقتصاد الشباب في دول عديدة للهجرة نحو ألمانيا المستقرة اقتصادياً، ومع بداية موجات الهجرة كان هناك مراكز استقبال للاجئين في مدارس أو ثكنات، وتمّ تسجيلهم وإحصاء عددهم من قبل البلديات، كما تولت عائلات ألمانية رعاية الأطفال المهاجرين دون أهاليهم، وجذبت المدن الكبرى القسم الأكبر من اللاجئين، وكان اندماج هؤلاء أبطأ ممن استقروا في المدن الأصغر، مؤكدةً أن لتركيا دوراً كبيراً في أزمة اللاجئين عبر نشر الشائعات والتهويل والكذب على اللاجئين، بأن ألمانيا ستعمل على نقلهم وتأمين فرص عمل لهم.
وفيما يخص إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الانسحاب من الحياة السياسية بعد انتهاء ولايتها، قالت لويكفلد: “إن الانتخابات ما تزال بعيدة، والحديث مبكر إلا إذا استقالت الحكومة الألمانية”، مؤكدةً أن هناك مؤشرات لاضطرابات قادمة في ألمانيا نتيجة تغير توازن القوى والأحزاب، حيث خسر الاتحاد الديمقراطي المسيحي أصواتاً كثيرة، في حين ربح حزب البديل أصواتاً إضافية، وأصبح أقوى من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في بعض الولايات، كما أن لحزب الخضر شعبية كبيرة.. إذاً الأحزاب التقليدية تخسر قوتها والأحزاب الصاعدة تكتسب شعبية، ورغم ذلك لن تتأثر السياسة الخارجية لأنها مرتبطة بسياق عالمي، وأضافت: “إن الولايات المتحدة تضغط لزيادة التسليح، ووزير الدفاع الحالي موافق على دفع الأموال المترتبة على ذلك، هذا يعني أن المرحلة القادمة سيكون فيها تسلح كبير يترتب عليه تخفيف ضغط واشنطن، والمحافظة على التحالف معها في الناتو، وتواجد أكبر للقوات الألمانية في الخارج”.
وعن دعاوى أسلمة أوروبا قالت: “إن هذا الموضوع لا يناقش علناً في ألمانيا، ولا يوجد تقدير صحيح لهذه المشكلة، لكن تمّ إغلاق مساجد وهابية”، كاشفةً أن الحكومة الألمانية تستغل نفوذ “الإخوان المسلمين” الناشطين في منظمات “إنسانية” وتوجيههم بما يتفق مع سياستها، وهناك عملية مدروسة لتهجير المسيحيين من الشرق الأوسط، وحدث ذلك في العراق.
وفيما يخص العلاقة مع روسيا، أكدت أن روسيا شريك تجاري مميز، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تقف في وجه التكتل الألماني الروسي، لأنه سيكون خطراً عليها، والأمر ذاته ينطبق على الصين أيضاً، فبرلين مهتمة بطريق الحرير الجديد، ومدركة بأن النظام العالمي يتغير من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب، وأوروبا ستتحول إلى قطب مستقل أقوى طرف فيه هو ألمانيا.
ونوّهت لويكفلد بدور الإعلاميين السوريين في تغيير نظرة الأوروبيين لسورية، وهذا يقتضي إقامة علاقات مع وسائل الإعلام الأجنبية، والتبادل الثقافي والإعلامي معهم، وضرورة البث والنشر بلغات متعددة وبأساليب مختلفة كي تصل الرواية الحقيقية لما يجري في سورية إلى الشعوب الأوروبية.
وقد طرح الدكتور عبد اللطيف عمران المدير العام لدار البعث رئيس هيئة التحرير تساؤلاته حول مدى قناعة الشعب الألماني بالسياسة الخارجية الألمانية من حيث التزامها بالحريات وحقوق الإنسان، وخاصة حول رواية مشهد التغيير في الوطن العربي، متسائلاً: “ما مدى تأييد الرأي العام للرواية القائلة بأن الحكومات الغربية والألمانية التي تدّعي أنها نصيرة حقوق الإنسان والحريات حوّلت مشهد التغيير إلى الشكل التالي: في تونس سيطرت النهضة وهي تيار “إخوان مسلمين” متطرف، في مصر استمرت سيطرة “الإخوان” أيضاً، وفي سورية تم تجنيد متطرفين تكفيريين، ما أدى إلى تعويم تنظيم “الإخوان المسلمين” في مشهد لا ينسجم مع دعم الحريات؟”.
وقدّم الزميل بسام هاشم مدير تحرير الشؤون السياسية والثقافية عرضاً تاريخياً للسياسة الخارجية الألمانية منذ بداية القرن الماضي حتى الوقت الحاضر، حيث خسرت ألمانيا متحالفة مع السلطنة العثمانية الحرب العالمية الأولى، مروراً بهزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، وما لحقها من تبعات، والتقسيم حتى نهاية الحرب الباردة، مبيناً أنه مع بداية القرن الجديد تحاول السياسة الخارجية الألمانية إيجاد دور جديد قائم على الخروج من الداخل الألماني لتزعم سياسة أوروبية على المستوى العالمي، لكن هذه الطموحات تصطدم بعدة أمور، منها ما يتعلق بالرأي العام المناصر للسلم والرافض للتدخل الخارجي، ومنها ما يعود للتركيبة الديمغرافية وانعكاسات اضطرابات وصراعات الشرق الأوسط على الأمن والاستقرار الداخلي في ألمانيا، والأهم ما هو متعلق بالاتفاقيات الموقعة عليها ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي ينعكس على قرار السياسة الخارجية.
وأضاف: رغم ذلك، كان لألمانيا دور مهم في كثير من القضايا الدولية منها الاتفاق النووي مع إيران، إذ إنها الدولة الوحيدة من خارج الدول دائمة العضوية المشاركة في المفاوضات والتوقيع النهائي على الاتفاق.
وفي نهاية الندوة أجابت الصحفية لويكفلد عن أسئلة الحضور.
لويكفيلد صحفية ألمانية متخصصة في شؤوون الشرق الأوسط، درست علوم الإثنيات والإسلام والعلوم السياسية، وكانت نشطة في العديد من مبادرات المواطنين الخاصة بحماية البيئة كما سبق لها العمل في مركز إعلامي في السلفادور وساهمت في نشاطات لجنة السياسة الخارجية والمساعدة الإنسانية في حزب الاشتراكية الديمقراطية، وهو حزب يساري نشط ما بين 1989 و 2007 وكان وريثا للحزب الاشتراكي الألماني الموحد الذي قاد جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
ومنذ العام 2000، عملت لويكفلد مراسلة حرة، وهي تزور سورية بشكل منتظم وتحمل بطاقة اتحاد الصحفيين السوريين. وقد عرفت بموضوعيتها في ما تكتبه من التقارير عن الأزمة السورية، حيث تمكنت من طرح وجهة نظر مغايرة للاتجاه العام السائد في وسائل الإعلام المهيمنة، كما أعدت برامج بثتها بعض الإذاعات الألمانية مثل بايرن 2 وبايرن 3، ووراديو ألمانيا، إضافة إلى محطة إذاعية سويسرية، وهي مراسلة لمحطة روسيا اليوم باللغة الألمانية، وتكتب بشكل منتظم في صحيفة ألمانيا الجديدة وصحيفة العالم الفتي.
وضعت مجموعة من المؤلفات من بينها “طالما كان مايزال هناك طريق” (1996) حول حياة الأكراد في سورية وإيران، و كتاب “ابتعدن لتصبحن أقوى” (2004) ويتناول معاناة النساء في العراق، وكتاب “الحريق” (2005) حول الأزمة السورية، وقد تم ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية وحصل على موافقة على النشر، وكتاب “سورية بين الظلال والنور” (2016)، وترجم بدوره إلى اللغة العربية وينتظر الموافقة على نشره.