استلهاماً لروح التصحيح
لم يكن يوم السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، حدثاً عادياً في تاريخ سورية الحديث، بل شكّل نقطة تحوّل كبرى ليس في الحياة العامة السورية فحسب، وإنما كان له منعكسات حقيقية وتأثير بالغ على العلاقات العربية- العربية، حيث جاءت الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد لتصحيح مسار حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي أدت الصراعات بداخله إلى انحرافه عن أهدافه ومبادئه، فكان لابد من حركة تصحيحية تعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح، ليبقى الحزب معبّراً عن طموحات وأحلام جماهيره العريضة، والتي كان السواد الأعظم منها هم من العمال والفلاحين وصغار الكسبة.
ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الحركة التصحيحية التفّت الجماهير حول القائد المؤسس، وعقدت عليه الآمال في الحفاظ على الوحدة الوطنية وإرساء القواعد التي من شأنها الحفاظ على المكتسبات الإيجابية التي أرستها ثورة الثامن من آذار، ومحو السلبيات، وتخليص الحزب من الشوائب، وتمّ حشد الطاقات على ساحة الوطن في معركة التحرير من خلال جبهة وطنية تقدمية تضم الأحزاب الرئيسية بقيادة حزب البعث، وتم تشكيل مجلس الشعب، وإصدار قانون للإدارة المحلية، وانتخاب القائد المؤسس حافظ الأسد رئيساً للجمهورية باستفتاء شعبي حر وديمقراطي، ثم تلا ذلك إنشاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية التي أعطت مجالاً واسعاً للجماهير في ممارسة الديمقراطية الشعبية المنظمة. وتعهّد الحزب بالعمل على تحقيق أهداف الشعب الاستراتيجية انطلاقاً من الثوابت التي حدّدتها أدبياته وأهدافه.
وعلى الصعيد الاجتماعي وإيماناً من قيادة التصحيح بأن أسّ البناء ينطلق من تنشئة جيل واع يعتمد عليه في معركة البناء والتحرير كان الاهتمام بتطوير المجتمع من خلال مجانية التعليم في كافة مراحله، والتأكيد على دعم التعليم العالي حيث صدر قانون الاستيعاب الجامعي ونجحت الحركة التصحيحية في تطوير البحث العلمي بأياد وطنية. ورغم الإمكانيات المحدودة تسارعت الإنجازات وتحوّلت سورية خلال سنوات قليلة إلى لاعب رئيسي في المنطقة يتجاوز مواردها الطبيعية وحجمها الجغرافي. وانطلاقاً من إدراك القيادة بأن تلك المنجزات تحتاج إلى جيش يصونها تمّ بناء الجيش العربي السوري على عقيدة وطنية وقومية لتحرير الأراضي السورية المغتصبة والدفاع عن قضية فلسطين، وإعادة هيبة وكرامة الأمة التي أنهكتها الهزائم المتلاحقة ولم تمض ثلاث سنوات حتى جاءت حرب تشرين التحريرية والتي كانت حدثاً مفصلياً غيّر قواعد الاشتباك في المنطقة حيث أصبح الكيان الصهيوني بعدها يحسب ألف حساب قبل الإقدام على شن أي عدوان. وعملت سورية على دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان كما شارك جيشنا في تحرير الكويت انطلاقاً من قناعة القيادة السياسية المحوري في الحفاظ على وحدة الأمة وتفويت الفرصة على الأعداء الساعين لإحداث شرخ في الصف العربي.
جملة ما تقدّم لم يرق لأعداء سورية تَعاظم دورها الذي أصبح يشكل خطراً على مشروعاته، حيث عمدت أمريكا وحلفاؤها في الغرب وأدواتها في الخليج على صناعة ربيع وهمي ليكون حاملاً لمشروعهم التخريبي الجديد، من خلال استقدام مرتزقة من شتى بقاع الأرض وتم صرف مليارات الدولارات من خزائن الخليج للتنفيذ وتصديع آخر قلاع العروبة في إطار محاولاتهم المتكرّرة للنيل من أهم إنجازات التصحيح المجيد والمتمثّل بحالة الوحدة الوطنية التي تعيشها سورية والتي تشكل الرافعة الأساسية لمتابعة تحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى في الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة والمبادئ واستقلالية القرار.
تلك الوحدة الوطنية والصمود الأسطوري للشعب والبناء الصحيح للجيل واستبسال الجيش في مواجهة الهجمة الشرسة كلها عوامل أدت في النهاية إلى السير على طريق تحقيق انتصار جديد على الإرهاب وداعميه في استلهام لروح التصحيح بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، بما يحافظ على المبادئ والأهداف ويعيد بناء سورية سياسياً واقتصادياً على نحو يتلاءم مع متطلبات العصر، فالشعب والقيادة السياسية التي صمدت في وجه العواصف ومحاولات الاستهداف المتكرّرة قادرة على الانبعاث من جديد.
عماد سالم