في ندوة ذاكرة وطن ..نهلة السوسو سيدة الميكروفون
في تكريمها من خلال ندوة “ذاكرة وطن” إشراف إلهام سلطان والتي اعتادت أن تكرم إعلاميينا في مركز ثقافي كفرسوسة لم تتحدث الإعلامية نهلة السوسو عن نفسها وما أنجزته خلال أربعة عقود من العمل الإعلامي بل رغبت في أن تتذكر رفاق الدرب من زملاء إعلاميين تركوا بصمات واضحة على المسيرة الإعلامية بشكل عام والعمل الإذاعي بشكل خاص، فتحدثت مطولاً عن زميلتها فريال أحمد التي وصفتها السوسو بأنها كانت وستبقى ظاهرة إنسانية لن تتكرر في الإذاعة.
ووصف الإعلامي محمود الجمعات الذي شارك في الندوة إلى جانب الزميلة الإعلامية سلوى عباس والإعلامي جمال الجيش أن ما قامت به السوسو موقف نبيل حينما رفضت الحديث عن نفسها في يوم تكريمها لتتذكر فريال أحمد بصوتها الهديل والتي كانت بالنسبة لها زميلة وصديقة مقربة لا تشعر السوسو حتى هذه اللحظة أنها رحلت.. واعترفت نهلة السوسو أنها تشعر بارتباك كبير وتتمنى أن تكون في حجرة معزولة لتتيح للمشاركين الحديث عنها بشكل صريح، لأنها تبحث دوماً عن صدى حقيقي وغير مباشر لما أنجزته في حياتها المهنية، مبينة أنها عملت في الإذاعة وكتبت في الصحافة والأدب، مشيرة إلى أن الصوت لا يقاس بالضجة التي يثيرها وإنما بالصدى العميق الذي يحدثه، ويحزنها اليوم ما آلت إليه الأمور في العمل الإعلامي، وخاصة على صعيد اللغة العربية من خلال إعلاميين لا يتقنون العربية، وهذا ما جعلها في اشتباك دائم في كتاباتها وعبر إطلالتها عبر وسائل التواصل التي تنتقد فيها الأخطاء الموجودة في لغة إعلاميي اليوم، موجهة عتبها الكبير إلى الوزارات المعنية.
ظاهرة صحية
كانت السوسو برأي الإعلامي محمود الجمعات وما زالت حاضرة في حياتنا الإبداعية، فمن أراد أن ينهل من الإعلام عليه أن يتدرب على يديها، ومن أراد أن يبحر في عالم القصِّ عليه أن يقرأ قصصها، ومن أراد أن يتعلم فن الحوار الإذاعي والدراما يجب أن يكون حاضراً عندها، ومن أراد أن يتعلم فن الحياة لن يجده إلا عند السوسو، مشيراً إلى أن معرفته بها تعود للعام 1979 حينما تقدم الجمعات لمسابقة المذيعين وهو الذي كان يعرفها ويتابعها عبر أثير إذاعة دمشق، وفي العمل جمعته بها صداقة زيّنتها خلافات عديدة لم تصل إلى نتائج إيجابية فحسب بل قوَّت أواصرها واستمرت حتى الآن، معترفاً الجمعات أنه محتار من أي ذكريات يبدأ للحديث عن السوسو وقد جمعتهما ذكريات كثيرة وجميلة تحدث عن بعضها، مؤكداً أن تكريم نهلة السوسو أو أي إعلامي مفخرة لكل العاملين في الإعلام، وهو تكريم لكل من شارك في النتاج الإعلامي المبدع، منوهاً إلى أن ثقافة التكريم ظاهرة صحية، خاصة عندما يكرَّم المبدع في حياته وهو كلمة شكر لما أنجزه.
شرف الريادة
وبيّن الإعلامي جمال الجيش أن السوسو تنتمي لجيل إعلامي على قدر كبير من الوفاء والأصالة والاجتهاد وقد عانى ما عانى في ظروف صعبة وقد شقوا طريقهم بالتعب والمثابرة والعمل المتواصل في إذاعة كانت بسيطة وتعمل بإمكانيات متواضعة.. واليوم تقف السوسو إلى جانب أخريات كان لهنّ شرف الريادة في المجال الإعلامي وقد تميزن بأصواتهن ولغتهن السليمة على الرغم من أنهن كن غير دارسات للّغة العربية إلا أنهن كنّ عاشقات لها، فكن قارئات وشغوفات من الدرجة الممتازة، وجمال الجيش يفتخر بهنّ كزميلات لما تميزن به من ثقافة وأدب ونبل إنساني وقدرة كبيرة على الإحساس بالآخر، وحينما كتبت السوسو في الصحافة كان الجيش شديد السعادة وهو يقرأ ما تسطره بقلمها، ويرى نفسه مشدوداً لأسلوبها الرفيع الذي يذكّره بالأدب الحقيقي من حيث البناء والاشتغال على اللغة وهي قدرات نفتقدها اليوم برأيه.. من هنا فإن تكريم السوسو هو تكريم للإبداع الحقيقي ولمسيرتها الإبداعية والحياتية التي كابدت فيها الكثير.
سيدة لها فرادتها
ولأنها امرأة من شغف وحنين -كما وصفتها الزميلة سلوى عباس- امتدت سفوح الإبداع واسعة أمام السوسو لتنسج من كل لون حكاية، فمرة تكون سيدة للميكرفون فيبحر صوتها الدافئ بالمستمعين على موجات الحلم، ومرة رائدة للقصة والرواية، ومرة تتألق عبر زاوية صحفية، مبينة أن السوسو سيدة لها فرادتها المعجونة من رقة الياسمين وقسوة الماس وقد دخلت عالم الإبداع من بوابة “الغبطة” فانهمرت الأفكار لديها كما المطر لتقطف من بساتين الحياة عناقيد المعرفة، وقد أغوتها الحكاية فنسجت من الحلم عالماً ملوناً بالتفاؤل والأمل، فكان الورق رفيقها، تبوح له بما يختلج في داخلها من مشاعر وأفكار، فيأتي بوحاً ملوناً بأطياف الحلم بكل تجلياته، ففي الأدب تتجسد شخصياتها كائنات من لحم ودم نابضة بالحياة، فأتت أعمالها تأكيداً للطاقات التي تمتلكها المرأة، وهي التي آمنت أن الكتابة حالة من حالات النضال، ونوع من التعبير عن الصراع الداخلي وإثبات الوجود.
ذكاء خارق وانتباه ملفت
وأنجز ابن الإعلامية نهلة السوسو د.سامر زكريا فيلماً قصيراً عنها قام بعرضه للحضور وهو يلخص سيرة حياتها، مشيراً في كلمة ألقاها إلى أن السوسو ولدت لأسرة بسيطة بين عدد كبير من الأولاد وقد تميزت بذكاء خارق وانتباه غير عادي، وبعد جد واجتهاد في مجال أبدعت فيه أصبحت أيقونة من أيقونات الإعلام السوري، منوهاً إلى أنها هجّرت من بيتها الذي خرجت منه تحت أزيز الرصاص ولم تعد إليه إلا مؤخراً إلا أنها لم تبرح وطنها وجندت قلمها للحديث عن جيش بلادها وتضحياته وكتبت مقالات كثيرة وثقت فيها كل كبيرة وصغيرة مما كان يحدث في سورية.
ورافق الندوة فيلم بعنوان “رحلة يمامة شامية” إخراج الإعلامية لارا ناصر وإعداد نهلة السوسو وتعليق الإعلامية الراحلة فريال أحمد.
ذهبية الإبداع
لقد عاشت نهلة السوسو التي استيقظت أجيال متعددة على صوتها يصدح عبر أثير دمشق طفولتها على أطراف مدينة حمص في مكان محاط بكروم الدوالي وحكايات أمها والقراءة، وكان أول نص نشر لها بعمر 11 سنة، كتبت فيه عن جدتها وقصص عن الريف، وعندما كبرت لم يتح لها التخصص في الإعلام لعدم وجود كلية تدرسه في جامعة دمشق، فانتسبت إلى كلية إلى الآداب وحالما نالت الإجازة تقدمت لمسابقة مذيعين في إذاعة دمشق والتحقت بالعمل الإعلامي عام 1974 وبدأت تعد البرامج الثقافية وتكتب مقالات في صحيفة الثورة.
من مؤلفاتها:
ست زهرات بيضاء- قصص للأطفال- 1991- وزارة الثقافة.
سوار دالية- قصص- 1992- اتحاد الكتاب العرب.
طقوس موت وهمي- قصص- دمشق 1995- اتحاد الكتاب العرب وكانت قد أصدرت مؤخراً كتاباً تحت عنوان “جداريات الشمس” وتحكي فيه عن واقع الألم والحزن الممزوج بالأمل والقوة والإصرار على النصر خلال سنوات الحرب على سورية والتضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش العربي السوري.
كما كتبت ألفاً ومئتي حلقة من برنامج إذاعي درامي بعنوان (شخصيات روائية) وعشرات المسلسلات الإذاعية مثل مفترق المطر (عن رواية ليوسف المحمود) شيء من حياتي (مذكرات مراد السباعي) حب لاينتهي (عن رواية وليم سارويان – أهواك يا أمي) عشبة الغابة البيضاء (رواية إريك مارياريمارك) ونالت جوائز منها ذهبية الإبداع عن المسلسل الاجتماعي (مفترق المطر) 1998.
أمينة عباس