المواطن والمسؤولية؟!
ما يؤسف حقاً أن نكون جميعاً جزء من منظومة التعدي على البيئة عبر ممارسات فردية أو جماعية تسهم بقصد أو من دون قصد في إحباط الجهود المبذولة لإنقاذها وفي تشويه المنظر الجمالي للمناطق التي ندافع عن نظافتها بالأقوال لا بالأفعال، والدليل على ذلك الدور السلبي الذي نقوم به في مجال النظافة العامة، حيث تكتنز شوارعنا بالمخالفات المرتكبة من قبل الناس على مدار الساعة ليتم بعدها إلقاء المسؤولية على الجهات المعنية بالتقصير والإهمال دون أن يتم السؤال عن المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للمواطن وواجبه تجاه بلده وأسرته، ولعل المشهد المتكرر حول الحاويات والنفايات المتراكمة والمتوزعة في كل مكان يقدم صورة واضحة عن الجريمة البيئية المرتكبة بحق المجتمع والحياة العامة.
ولايخفى على أحد أن بيئتنا لم تكن بخير خلال السنوات الماضية، سواء قبل الأزمة أو خلالها بل كانت مريضة تعاني من الملوثات والانتكاسات البيئية التي نقطف الآن تداعيات إهمالها وتجاهل واقعها، فالأمراض الكثيرة التي نسمع بها، خاصة التنفسية تكشف حقيقة التراجع البيئي الحاصل الذي أضافت الأزمة الكثير من مسبباته، فازدياد الأمراض التنفسية هو النتيجة الطبيعية لارتفاع نسب الملوثات في الهواء، ولاشك أن تطور فيروس الكريب مثلاً والذي بات أكثر مقاومة للمناعة الطبيعية وللأدوية العلاجية بكل أشكالها يقدم صورة واضحة عن طبيعة الهواء الذي نتنفسه بملوثاته الكثيرة، ويجب الانتباه إلى بعض الحقائق العلمية التي تثبت ما يسببه التلوث من أمراض مختلفة تهدد برامج الصحة الموضوعة وتزيد من الأعباء والتكاليف الصحية بشكل عام.
ولاشك أن لملمة المعلومات البيئية المدعمة بالأرقام والإحصائيات يعد في الوقت الحاضر مهمة صعبة، فالجهات المعنية تردد ماكانت تقوله قبل سنوات الأزمة دون أي جديد، وهي الآن عاجزة عن منح أية معلومة لأسباب عديدة، أما المجتمع الأهلي بجمعياته البيئية، ينازع باحثاً عن الدعم المطلوب لتنفيذ خطته الإنقاذية للبيئة والتي لم تخرج من دائرة الوقاية والتثقيف والتوعية غير الفاعلة على صعيد المجتمع والتي نراها أشبة بلعبة (الطرة والنقش الوقائي).
وإذا أردنا الحديث بواقعية علينا الإقرار بأن ملف البيئة والنظافة الذي يتأبطه المجتمع لإدانة الجهات البيئية والوحدات الإدارية سقط بالتقادم لكثرة الاتهامات والإدانات للممارسات غير السوية التي تتم بشكل متعمد بحق البيئة النظيفة، ولاسيما أن الاعتراف بالتلوث البيئي وتعدد أشكاله وأنواعه بات الحالة الأكثر واقعية على صعيد البيئة، ولكن ما قيمة الاعتراف مع استمرار تسلل الملوثات إلى أجساد أولادنا وبشكل يهدد صحتهم وحياتهم وقبل أن نسأل الجهات المعنية علينا أن نسأل المواطن عن دوره ومسؤولياته لمواجهة حالات التلوث في ظل التعاطي السلبي مع حملات التوعية البيئية، وعدم التقيد بالتعليمات والإرشادات وبشكل حوّل فاعلية النهج التوعوي الفعال الذي يخدم البيئة النظيفة إلى سراب وجعل العمل البيئي بالنسبة له كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحناً.
بشير فرزان