الصين ترسم ملامح نظام اقتصادي جديد
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 14/11/2018
قدم معرض الصين الدولي الأول للاستيراد (CIIE) الذي اختتم بنجاح في 10 تشرين الثاني الحالي في شنغهاي، صورة الصين باعتبارها السوق الواعدة في العالم لواردات السلع والخدمات في العقود القادمة، وهذا ما يفتح الطريق أمام الأفكار الإبداعية التي من شأنها توسيع آفاق التعاون الاقتصادي الدولي.
من المفارقات أن العديد من المعلقين الغربيين يترددون في الاعتراف بذلك. إنها مفارقة لكن ليست مستغربة تماماً. يركز العقل الغربي على السياسات الحالية أي التعريفات القائمة، والممارسات القائمة في حماية الملكية الفكرية، وقبل كل شيء، الاحتمال المباشر لزيادة الأرباح. هذا المنطق مفهوم لكنه لم يعد كافياً، لأن المنظور طويل الأجل ضروري، وإلا فإن العالم سيصبح ضحية للإجراءات قصيرة الأجل، والتدابير المضادة وما ينتج عنها من توترات، وهو ما يجعل الجميع يخسرون. لهذا إن العالم بحاجة اليوم إلى رؤية للتنمية المتوسطة والطويلة الأجل التي يمكن للجميع الكسب من خلالها.
في شنغهاي، قدمت الصين مثل هذه الرؤية، هذه الرؤية يجب ألاّ تكون مجردة، إذ يمكن التعبير عنها بقرارات تجارية ملموسة، حيث اتخذ الكثير منها في شنغهاي. علاوة على ذلك، فإن القرارات الجديدة بشأن توسيع التعاون الاقتصادي مع الصين تتلاءم بشكل جيد مع بعض التجارب الأخيرة. لنأخذ مثالاً من التعاون الاقتصادي بين الصين وسلوفينيا. في وقت سابق من هذا العام، استحوذت الشركة الصينية “هيسنس” من مقاطعة شاندونغ على الشركة السلوفينية “جورينيه”، وهي شركة مصنعة للأجهزة المنزلية، لأن لدى الصين سوق كبير جداً وواسع للأجهزة المنزلية، حيث تقوم “هيسنس” بدور رئيسي. ومن المتوقع أن تصبح الصين، مع مستواها المعيشي المتنامي، أهم سوق في العالم للأجهزة المنزلية في العقود القادمة. تدرك “جورينيه”، التي تنشط في الأسواق العالمية، تمام الإدراك هذه الديناميكية. لقد كانت هذه ديناميكية لنمو مستوى المعيشة باستمرار في الغرب الذي نمت فيه “جورينيه” في العقود الماضية وأصبحت لاعباً معروفاً عالمياً. في هذه العملية طورت التقنيات والتصاميم والأساليب التجارية التي تحتاجها “هيسنس” اليوم. بالنسبة لـ “جورينيه”، لن يكون من المنطقي توسيع التصنيع في المصانع الموجودة في أوروبا. والخيار الأفضل هو توجه الشركاء في الصين وإيجاد صيغة مربحة للتعاون المستقبلي.
كان أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في تجربة “هيسنس- جورينيه” هو مدى سرعة فهم الجمهور في سلوفينيا للمنطق الذي يحقق الربح والطريقة السهلة لكسب الرأي العام. وهذا الفهم يتعلق بكل من صفقة الشراء على المدى القصير والرؤية الأطول أجلاً للتعاون المربح للجانبين.
هناك الآلاف من مثل هذه القصص في جميع أنحاء العالم، وجميعها ذات صلة برسالة معرض الصين الدولي الأول للاستيراد. ويدرك كل مراقب أن الصين تتطور بسرعة نتيجة الاعتماد على التصدير، باقتصاد صناعي، إلى حد كبير، نحو اقتصاد حديث بالكامل يعتمد على الطلب المحلي والأهمية المتزايدة للخدمات. ويدل مؤشر إحصائي واحد على ما لذلك من أهمية عالمية: ففي عام 2006، كان إجمالي الصادرات من الصين إلى جميع البلدان يعادل 35 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما بلغ الرقم 18 في المائة فقط في عام 2017. وحدث هذا التغيير مع ارتفاع معدلات النمو التي تجاوزت خلال السنوات الماضية 8 في المئة سنوياً. ليس من الصعب فهم حجم هذا التغيير. كما أنه ليس من الصعب فهم أن تحول الصين إلى أكبر سوق استيراد في العالم له تأثيرات عالمية.
ولهذا السبب كان معرض الصين الدولي الأول للاستيراد CIIE في شنغهاي مهم جداً. لكن المعرض يساعدنا أيضاً في تصور عالم المستقبل. كل هذا كان بالتأكيد في ذهن الزوار الأجانب، بما في ذلك رجال الأعمال السلوفينيين وغيرهم من الأوروبيين، وكذلك الصينيين الذين شاركوا في المعرض، والذين يمكنهم رؤية أبعاد المرحلة الحالية من الانفتاح الصيني. كما يمكنهم التفكير في فرص زيادة تحسين الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم من خلال تعزيز التعاون والاتصال. يمكن تحقيق الأهداف الطموحة لجدول أعمال الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حتى عام 2030 من خلال مثل هذا التعاون.
قدم الخطاب الرئيسي الذي ألقاه الرئيس شي جين بينغ في الافتتاح رؤية متفائلة لمشاركة الصين في المستقبل مع العالم. هذه الرؤية واقعية وتتحرك من ظروف أساسية للغاية. وتشمل تخفيض التعريفات الجمركية الصينية، والتخليص الجمركي البسيط، والإجراءات الإدارية، وتوسيع وصول السلع إلى الأسواق. لكن هناك الكثير مما يتوقع حدوثه في السنوات القادمة: تحرير وتحسن مناخ الاستثمار للمستثمرين الأجانب وفتح قطاع الخدمات، بما في ذلك في مجالات الاتصالات والتعليم والخدمات الطبية. واعترف الرئيس شي جين بينغ بالفرصة السانحة في الجمع بين المصالح الحالية للمستثمرين الأجانب والنقص في الإمداد المحلي في الصين والذي يمكن تخفيضه من خلال التعاون الدولي.
كل هذا من شأنه أن يساعد على تطوير بيئة أعمال عالمية المستوى في الصين وخلق أوجه تعاون أوثق ، بما في ذلك في مجال الملكية الفكرية. إذاً يجب تشجيع الابتكار من خلال التعاون في العلوم والتكنولوجيا وبمستوى مناسب من الحماية للملكية الفكرية. وسيمّكن هذا من تحسين التفاهم المتبادل بين الشركاء الأجانب والصينيين. وسوف تشمل آفاق الانفتاح الجديدة “مناطق التجارة الحرة” التي من شأنها أن تتيح الفرصة لتطوير طرق جديدة للابتكار ونماذج جديدة للتعاون التكنولوجي والاقتصادي الدولي.
تتطلب رؤية المستقبل المقدمة في المعرض بيئة تجارية عالمية مناسبة ومؤسسات متعددة الأطراف فعالة، ولا سيما منظمة التجارة العالمية. إنه الوقت المناسب الآن لبدء النظر في الإصلاحات بشكل جدي. هنا أيضاً ستكون الرؤية والابتكار ضروريين لا ينبغي لمنظمة التجارة العالمية أن تساعد فقط في الحد من الحواجز أمام التجارة وتسوية النزاعات المتعلقة بالتجارة. بل سيتعين عليها أن تسهم في حل قضايا معقدة مثل حماية الحقوق الاجتماعية والعمل اللائق، فضلاً عن المعاملة التفضيلية للاستثمارات التي تعزز التنمية البيئية المستدامة.
هل هذا أمر من الصعب توقعه؟ الجواب لا، إذ يتيح معرض الصين الدولي الأول للاستيراد إمكانية حدوث تحول عالمي آخر. وهذا يعني إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد.