“توحيد الرؤى”
حتى اللحظة لم تتبلور أي رؤية واضحة حول مستقبل المدينة القديمة ومشروع إعادة تفعيل الوسط التجاري بحلب على الرغم من صدور عشرات القرارات التي أوصت بضرورة وأهمية وضع خطة إنمائية متكاملة تعيد لهذين المفصلين الحيويين دورهما الأساسي في إعادة نبض الحياة للمدينة ورسم آفاق مستقبلها بما يتماهى مع قديمها وحديثها.
والواقع أن الإجراءات المتخذة على المستويين الخططي والتنفيذي منذ نحو عامين، أي بعد تحرير حلب وحتى الآن لم تترك أي بصمة واضحة وملموسة، ولم تعطِ أي مؤشرات إيجابية حول تنفيذ الخطط والرؤى والأفكار المطروحة، حيث اقتصرت الأعمال المنفذة على ترحيل جزء من الأنقاض وتوفير الخدمات المستعجلة وتقديم العون والمساعدة لأصحاب الفاعليات التجارية لمعاودة تأهيل محالهم وتفعيل نشاطهم التجاري، وهي بمجملها أعمال وخطوات تبدو مهمة في شكلها ومضمونها، إلا أنها غير كافية لعودة الروح والألق للمدينة القديمة على النحو الذي يتمناه الحلبيون، وهو ما يدفعنا إلى المطالبة مجدداً بالبحث عن حلول جذرية لمجمل المشكلات العالقة، وخاصة بما يتصل بالجانب القانوني والذي ما زال يشكل معضلة حقيقية تقف حجر عثرة في طريق شرعنة الإجراءات المطلوب اتخاذها لإنجاز الأعمال والمشاريع المقررة.
وما نراه في ضوء معطيات الدعم الحكومي المتجدد وتخصيص مبلغ مليار ليرة لاستكمال عمليات التأهيل والترميم وتوفير الخدمات المطلوبة لزيادة مساحة الإشغالات وتحفيز التجار والمستثمرين، هو الاكتفاء بما أنجز، والتوجه نحو توحيد الرؤى وتحويل المنطقة بأسرها إلى منطقة أثرية وسياحية بامتياز، خالية من أية تعديات وإشغالات تشوه جمالية وسحر الترابط العضوي بين العامل الزمني التراكمي والعامل الوظيفي للمواقع السياحية والتاريخية التي تزخر بها المدينة القديمة، وبصورة أدق نجد أن المدينة القديمة بكل مكوناتها بما فيها أسواقها ومحالها التجارية ومهنها التقليدية واليدوية إلى جانب قلعتها وما يحيط بها من مواقع نادرة ورحبة تشكل مشروعاً أكثر من مهم لتوطين الصناعة السياحة بمختلف صنوفها وأشكالها بمنظور متطور وحديث يستند إلى معايير وشروط عالمية تكون جاذبة وقبلة للزائرين من كل أصقاع العالم.
ونعتقد أن الفكرة جديرة بالاهتمام والنقاش والبحث، وتنفيذها يتطلب قراراً جريئاً وجهداً كبيراً من كافة الشركاء لوضع مخططات تفصيلية تشمل إفراغ كافة الدوائر الحكومية في المدينة القديمة واستثمارها وتوظيفها سياحياً، وإزالة الأبنية الحديثة وخاصة (البلوكات الخمس) في منطقة السبع بحرات وإنشاء بدلاً عنها فنادق وبيوت ومطاعم ذات صبغة أثرية تتواءم مع هوية المدينة القديمة التاريخية.
معن الغادري