جود سعيد: نحتاج إلى سياسات توزيع منفتحة لإيصال أفلامنا للعالمية!
ما إن يحضر اسمه على أي فيلم سينمائي يُخرجه، حتى تُثار حوله العديد من الأسئلة والانتقادات بنوعيها الإيجابي والسلبي، إلا أنه ما أن ينتهي من عمل ما، حتى يدير ظهره لكل ما يُثار ليبدأ بعمل جديد يضع فيه طاقته وتركيزه كله. المخرج السينمائي السوري “جود سعيد” العائد مؤخرا من مهرجان قرطاج السينمائي بأربع جوائز سينمائية عن فيلمه “مسافرو الحرب”، وكان معه هذا الحوار.
بداية “البعث” تبارك لك ولطاقم العمل وللسينما السورية الجوائز الأربع التي نالها “مسافرو الحرب” في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في أيّام قرطاج السينمائية، ماذا يعني هذا الإنجاز لك كمخرج أولا؟
بداية أشكر “البعث” على الاهتمام بالفن المحلي بشكل خاص، بالنسبة لي هذه الجوائز هي اعتراف من النقاد والجمهور ولجنة التحكيم بالقيمة الفنية والفكرية للفيلم، فالجوائز أُسندت من هذه الجهات الثلاث، طبعا أنا سعيد جدا، خصوصا بعد منع العديد من أفلامي لأسباب ليست خافية على أحد، من المشاركة في العديد من المهرجانات السينمائية، رغم الاعتراف بجودتها كما قلت السينمائية، وها هو أحدها يفوز بأربع جوائز في مهرجان قرطاج السينمائي.
التانيت البرونزي/ أفضل صورة/ جائزة الجمهور/ جائزة الـ «فيبريسي» (الاتحاد الدولي للنقاد)، وهي جائزة موازية”، لو توجز لنا طبيعة تلك الجوائز؟ وألا يحق لنا بأن نطمع بجائزة للإخراج وللتأليف؟
جائزة الـ “فيبرسي” مُنحت قبل يوم من حفل الختام من قبل مجموعة من الصحفيين ونقاد السينما، بالنسبة لجائزة الجمهور فهي تقوم على التصويت، وكانت مفاجأة من العيار الجميل، خصوصا بوجود ثلاثة أفلام تونسية قوية مشاركة في المهرجان، ووجود فيلم مصري أيضا كان له حضوره الواثق في المهرجان، بالنسبة لجائزة الإخراج، المهرجان يعتبر أنها هي جائزة “التانيت الذهبي والفضي والبرونزي، وهي تُمنح للمخرج، أيضا جائزة أفضل صورة، هي جائزة تُمنح للعمل المتكامل في الفيلم، وجهود فريق التصوير وتلوين الفيلم ولكل من ساهم بصناعة الصورة، وقدمناها للصديق مدير التصوير “وائل عز الدين”، وهذه الجائزة تعني لي شخصيا الكثير، باعتباري من المخرجين الذين لديهم هوس في صياغة الصورة وصناعتها بأبهى ما يكون.
مسافرو الحرب” الفيلم الروائي الطويل السادس في مسيرتك السينمائية حتى الآن، ما الذي يجعل من هذا الفيلم برأيك كمخرج ينال الجوائز التي نالها، والتي كسبتها السينما السورية أيضا؟
بالنسبة لـ “مسافرو الحرب” صدقا لا املك جوابا حول فوزه بهذه الجوائز، ربما لو كانت لجنة تحكيم أخرى أو جمهور آخر لما كان ذلك، والموضوع عموما نسبي، اعتقد أن كل الأفلام التي صنعناها هي ذات قيمة سينمائية عالية، بالتأكيد هناك فيلم أفضل من الآخر أو أقل، ولكن لا أحد يستطيع أن يشكك بسينمائية هذه الأفلام، بالتأكيد الجوائز هي تكريم للفيلم، لكنها لا تعني إن كان الفيلم سينمائيا له جودته الفنية العالية أو العكس.
ما الذي ينافس الفيلم السوري في أي مهرجان، وما الذي يجعل فيلم “جود سعيد” دائما محط اهتمام وتفاصيل وحصد جوائز، ومنع عرض، وغيرها، بينما تذهب أفلام سورية أخرى وتعود دون أن يسمع بها أحد.
أشكرك على هذا السؤال الذي يلامس القلب بمكان، أما ما الذي ينافس الفيلم السوري، فدعني أقول عموما الأفلام المنافسة في مهرجانات مثل قرطاج، التي هي فعلا مهرجانات مستقلة وتعنى حقيقة بالسينما، هي أفلام تتميز بحرفية سينمائية عالية وخصوصية معينة، أما لماذا “جود سعيد”، فربما ودعني أجيب باختصار، لأنني اصنع أفلاما صادقة، أنا صادق مع ذاتي أولا عندما اصنع الفيلم، ولا أضع فيه جملة تخدم أحداً، أو لإشباع رغبة لأحد، لأنني أضع فيه قناعاتي وإيماني بما يحدث من حولي، وأنا أمين حقيقة لموضوعاتي منذ بداية الكتابة وحتى وضع اللمسات الأخيرة على الفيلم، أمين لما اصنع وأحبه في كل مراحله.
ما الذي يجمع بين “مسافرو الحرب” وباقي أعمالك السينمائية، الروائية الطويلة منها خصوصا؟
الذي يجمع بين “مسافرو الحرب” وأفلامي السابقة، خصوصا تلك التي صنعتها في فترة الحرب، هو تلك الكوميديا السوداء، وإن كانت في “مسافرو الحرب” أخذت حيزا أنضج وأكثر شفافية وعمقا في الطرح، وهذا ليس رأيي الشخصي فقط، بل يجمعه أيضا حالة البحث التي تكون فيها شخصياتي دائما بحالة بحث عن شيء ما، في كل فيلم هناك شخصية تبحث عن مراد تريد أن تناله، ونذهب معها في رحلة البحث تلك.
برأيك ما الذي يمنع فيلمنا السوري من الحضور إلى المهرجانات ذات الوزن الثقيل، كالأوسكار، البافتا، وغيرها؟
الذي يمنع الفيلم السوري من الحضور في هذه المهرجانات بالعموم، إما أن تكون السوية الفنية المنخفضة والتي تمنع بعض الأفلام من التواجد فيها، أو الظرف الحياتي الذي نحيا على إيقاعه في سورية فترة الحرب، والتحول العنيف عند العديد من الجهات التي تعمل على تسييس أي عمل فني فكري أدبي محلي، لأسباب ليست خافية على أحد، كما جرى مؤخرا في مهرجان السينما العربية في باريس، أما إن كانت السوية الفنية للفيلم جيدة، فيمكن أن نحصل على جوائز في مهرجانات كالتي ذكرت، وهنا تأتي المشكلة التسويقية للفيلم، وهذه معاناة حقيقية وهامة، لذا نناشد ونقول إننا بحاجة إلى إيجاد سياسات توزيع أكثر انفتاحا، بمعنى أنه في بعض الأحيان ليس من الضرورة أن يتواجد في “تترات” الفيلم اسم المؤسسة، إن كان وجود الاسم سيمنع الفيلم من التواجد في هذا المهرجان أو غيره، خصوصا في الفترة التي نمر بها، فلنخترع أبوابا للتوزيع، ولنتعاقد مع القطاع الخاص ولو دون انتظار مردود مادي، نحن بحاجة لإيصال نتاجنا الفني للخارج، دون أن يكون هناك أسئلة ذات طبيعة مادية “سخيفة”، وهناك بعض الصحفيين الذين يقولون بما معناه لا يجوز أن يغيب اسم المؤسسة وهذا مال عام، وهنا أسأل هؤلاء هل أصبحتم الآن حريصون على المال العام، دون أن تعرفوا ما الذي يحدث في أروقة تلك المهرجانات، يعني إذا شارك أحد أفلامنا في “البافتا” مثلا، فهذا لا يعني وجود مردود مادي له في حال حقق جائزة من جوائزه، فنحن لا نضيع المال على الدولة، بل على العكس، نحن نوصل وجهة نظر الدولة إلى العالم.
بالعودة إلى النص –السيناريو-الذي تشتغل عليه، ما الذي يجعلك تقول لنفسك، هذه هي الحكاية الذي أريد أن أنجزها كشريط سينمائي؟.
بالنسبة لي عندما ابدأ بالكتابة فإنني أتخيل الشخصيات أمامي من البداية وكأنها على شاشة السينما، تأخذني إلى عوالمها الخاصة، وتسرح بي في الخيال، تجعلني أعيش حياة لا أعرف كيف أحياها في الواقع، السينما بالنسبة لي هي وهم جميل مشتهى.
كيف تختار الممثلين؟ هل لديك تصور مسبق للشخصية وهي على الورق، أم أنك تتبع الطريقة التقليدية بموضوع الانتقاء؟
بالنسبة لاختيار الممثلين، تبدأ وجوههم بالارتسام أمامي أثناء الكتابة، يعني ونحن نكتب مسار شخصية ما، أقول هذا فلان، وربما فلان، وعندما لا ننجح في التعاقد مع أحد الممثلين الذين كنا تخيلنا أنه هو من يستطيع أن يجعل الشخصية تنبض بالحياة التي أريد، كن على ثقة أنني أغير في السيناريو، كي يليق بالفنان الآخر الذي سنختاره، فليس الجميع قادرين على تقديم ما نريد من خلال وجهة نظرنا الفنية، يعني إذا اخترنا فلانا من الفنانين، فيجب أن نطوع الدور لصالحه أو العكس.
أين ترى موقع السينما المحلية اليوم، خصوصا وأن ثمة آراء سلبية فيها، عدا عن الجبهات التي تشتعل بين الحين والآخر في خطها العام؟
لا أريد أن أخوض بشأن العديد من النتاجات السينمائية المحلية، ولكن برأيي يجب أن يدخل القطاع الخاص على الخط بقوة، فلينتج سينما تجارية وللتسلية لما لا، إنها أساسا من بعض أشغال السينما، وذلك لإعادة الجمهور إلى صالات العرض، وستدفع بعض المستثمرين لإنشاء صالات عرض أكثر، وهذا سيفيد الفيلم السينمائي الذي قد تموله الدولة، أو القطاع الخاص وبعض الجهات الأخرى، فنحن بحاجة إلى أن نرى صناعة سينمائية واسعة في سورية.
مسافرو الحرب” هو باكورة أعمال شركة “الأمير” للإنتاج الفني، هل هذا يعني أن ثمة شركات قطاع خاص سوف تدخل بعمق أكثر في الصناعة السينمائية السورية؟.
بالنسبة للقطاع الخاص أتمنى ذلك، وشخصيا سيكون لدي تجربة مع شركة محترمة من القطاع الخاص، تحمست لإنتاج فيلم، ونحن بصدد الاتفاق المبدئي على ذلك، وأتمنى أن يثمر هذا الاتفاق فيلما سينمائيا سورياً خالصا.
من المعروف عن جود سعيد أنه دائم الانشغال بعمل سينمائي جديد، ما هو جديدك.
الجديد حاليا هو أنني اعمل على مونتاج فيلمين في آن واحد، “درب السينما” وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما و”أدامز برودكشن”، وقد تأخر قليلا بسبب خطة “أدامز برودكشن” إيصاله إلى أماكن عرض ذات سوية عالية، والفيلم الثاني “نجمة الصبح” واعتقد أنه حتى آخر العام سيكون جاهزا للبدء بعمليات الصوت والتلوين بعد أن يكون قد انتهى من عمليات المونتاج.
حوار: تمّام علي بركات