جوّاني الإخوان المسلمين
عبد الكريم النّاعم
لعلّ مَن يتساءل فور قراءته العنوان، وهل للإخوان المسلمين “جوّاني وبرّاني”؟، نقول له طوّل بالك قليلا وسنرى معا.
إنّ الذي يميّز تنظيم الإخوان عن غيره أنّه لا يُشبه تنظيم الأحزاب السياسيّة إلاّ في (الزعم) أنّهم تنظيم إسلاميّ، وإذا كانت الأحزاب المعروفة في عصرنا لها تراتبيّة قياديّة تتمخّض عن انتخابات ديمقراطية، أو تتشبّه بالديمقراطية، فتختار قياداتها، وتُعقَد لها اجتماعات دوريّة تُناقش الشأن العام الذي تهتمّ به، فيمكن القول إنّ تنظيم الإخوان يأخذ (بشيء) من هذا، ولهم تسمياتهم الخاصّة بهم المأخوذة ممّا يرون أنّه وارد في النصوص القرآنيّة، أو في الحديث النبويّ، أو في (الإجماع)!!، وأنا لا أعرف متى حدث هذا (الإجماع) الذي ادّعاه حاكم ما، في زمن ما، ولو أنّه حدث فلمَ كلّ هذه الاختلافات التي ما تزال قائمة، ولماذا كلّ تلك الثورات التي اشتعلت على مساحة التاريخ العربي الإسلامي، والتي لم تنقطع، بل تخفت في أزمنة الطغيان الذي يخجل العاقل من حجم تغوّله.
حين تأسّست دعوة الإخوان المسلمين في مصر، جاء المؤسّسون الستّة وخاطبوا الشيخ حسن البنّا، فقالوا: “إنّنا لا نستطيع أن نُدرك الطريق إلى العمل كما تُدرك، أو نتعرّف السّبُل إلى خدمة الوطن والدين والأمّة كما تعرف، وكلّ الذي نريده الآن أن نقدّم لك ما نملك لنبدأ من التّبعيّة أمام الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنّا وعمّا يجب أن نعمل”(1)
يُلاحظ في صيغة الخطاب ورود: “لا نستطيع أنْ نُدرك”، و”ولا نستطيع أن نتعرّف”، وبذلك يُصبح الأمر كلّه له بيد المرشد العام، وعليهم التسليم، وهذه الصيغة البدئيّة تحوّلت فيما بعد إلى وضع المسألة الانضباطيّة في التنظيم الذي قام، وتحديد علاقة الفرد المنتمي للجماعة، القائمة على: “الطّاعة” (وهي أحد أركان الدّعوة)، وهي امتثال الأمر وإنفاذه فوراً، “في العسر واليُسر، والمنشَط والمَكرَه”، ونظام الدعوة صوفيّ بحت من النّاحية الرّوحيّة، وعسكري بحت من النّاحية العمليّة، وشعارنا – كما يقولون- دائما أمر وطاعة من غير تردّد، ولا مُراجعة، ولا شكّ، ولا حرج”(2)، هذا ما يقوله حسن البنّا، وهكذا يكون هذا التنظيم قد أسّس وجوده على إلغاء الديمقراطية التي يُفترَض أن تقوم عليها الأحزاب، “أمر وطاعة من غير تردّد، ولا مُراجعة، بل وتُصادر الحالة النفسيّة فتطالب العضو فيها أن تنتفي عنده حالة المراجعة، أو الشكّ، أو الحرَج، وهذه الصيغة تُشبه صيغ التنظيمات السرانيّة، أو العصاباتيّة، كالماسونيّة وما أشبه، ولا علاقة لها بروح التنظيمات السياسيّة التي تهدف إلى التوعيّة، وتفتّح إمكانات الفرد، وإيقاظها بالوسائل الممكنة، وإشاعة الروح الجماعيّة الديمقراطية، ومَن يدقّق فيما فعله الدواعش الوهّابيون في هذه المنطقة يجد أنّ روح التنفيذ التي تبلغ حدّ تفجير النفس بالغير، ليست إلاّ رشْحا لتلك التعليمات العسكريّة.
إننا حين نعود لهذه المساحات فليس للتعرية فقط، بل لوضع الخطط التربويّة، والثقافيّة، والإعلاميّة، والاقتصاديّة، للحؤول دون بروز هذا التنظيم أو أشباهه في المستقبل لنجنّب الوطن أخطار تكرار مافات…
1-2راجع مجلة قضايا فكريّة ، الإسلام السياسي، 1989، مقال لرفعت السعيد
aaalnaem@gmail .com