رأيصحيفة البعث

“خرقة” الكيماوي المهترئة

 

من جديد، وإلى الأبد – كما يبدو – تتحوّل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى منصة للإساءة إلى سورية، والضغط عليها، والنيل من استقلالية قرارها ومصالحها الأمنية الوطنية، بحيث تهدّد بالتحوّل إلى أداة تسهّل للحكومات الغربية مصادرة حق السوريين باستعادة الهدوء والاستقرار، وتحول – بالتالي – دون طي صفحة الحرب القذرة التي لم يتردّد الغرب، ومعه المتأسلمون المتأطلسون ومشيخات البترودولار والوراثة المدموغة بالدم، من تسليم سورية إلى جحافل التكفيريين حطابي الرؤوس وقاطعي الأطراف، وذلك بانتظار الوقت الذي يغدو فيه هذا الغرب قادراً فعلياً على المساومة على المصير السوري، وهو ما لم يتحقّق طوال السنوات الماضية، ولن يتحقق ذات يوم!.

والمثير حقاً أن الغرب لا يكلّ ولا يتعب من التلويح بهذه “الخرقة” الكيماوية الوسخة، التي باتت تبعث على الاشمئزاز لكثرة استعمالها، فهو لا يزال يراهن من خلالها على إمكانية “فتح الثغرة المطلوبة” للتشكيك بشرعية النظام السياسي في سورية، أو الإبقاء على واقع التشكيك معلّقاً إلى ما لانهاية، والتأثير – بالتالي – على مسار الحل السياسي، وفي الإطار وضع الاشتراطات المختلفة على إعادة إعمار ما دمّرته الحرب؛ وليس بعيداً عن ذلك، بل وفي المقدّمة منه، الإبقاء على الوضع الميداني على حدود المراوحة، والاستماتة في “الدفاع!” عن الجيوش الإرهابية من خلال توفير غطاء دائم من الحماية الدبلوماسية لها، وتعطيل مهمة الجيش الوطني في القضاء على الإرهاب، على أمل التعويض عن الرهانات الخاسرة، أو انتظار نوع من القضاء والقدر الذي يمكن أن يقلب المعادلات.

ولكن من المفيد التذكير بأن هذه المحاولات تقدّم، على التوازي، دروساً مضادة، وقد تمهّد الطريق للكفر بكل قواعد العمل الدولي المتعارف عليها حتى الآن، فالتعامي الفاضح عن الحقائق، والتزوير المتعمّد، وفبركة الأحداث، والتواطؤ مع القتلة والمجرمين، وتركيب الملفات، والإصرار على التلاعب بمنظمات ومؤسسات العمل الجماعي والمشترك، بل وتحويل هذه المنظمات والمؤسسات إلى سيف مسلّط على رقاب البعض بهدف ممارسة أبشع أشكال الابتزاز السياسي والاقتصادي، والاكتفاء بها كمسرح للمرافعات المضللة والمخادعة، البعيدة تماماً عن حس العدالة، وحتى حشر العدالة الدولية نفسها في خانة القرارات المتخذة بالغالبية العدّدية للأصوات المشتراة أو المتحصّلة تحت جنح الضغوطات.. كل ذلك سوف ينتهي أخيراً إلى اعتبارها أدوات قمع دولية لا تتمتع بالحدود الدنيا للمصداقية، ولا يمكن الركون إليها أو الوثوق بها، وسوف يجرّدها من الحيادية، التي ينبغي أن تتمتّع بها للتوصل إلى حلول للخلافات والمشكلات العالقة، إذ لا يمكن تقبّل هذا الخلل الفادح في تسييس المنظمات الدولية، التي وجدت لمصلحة الجميع، ومن أجل الحفاظ على السلم العالمي، وليس لكي تكون ميداناً جديداً لتكريس وقوننة مصالح الأقوى.

تريد الدول الغربية أن تعطي درساً في رفض التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية، أو الانسحاب منها، من خلال إمعانها في المماطلة والخداع ومن خلال العمل المنظّم على إفراغ هذه المنظمات والمؤسسات من مصداقيتها ودورها الأساس الذي وجدت من أجله. وللمفارقة فذلك هو هدف تتطلّع الحكومات الاستعمارية الجديدة حقيقة لكي يتحقق انطلاقاً من رغبتها في تقويض قواعد العمل الموروثة والتنصّل من علاقات الشراكة المفترضة القائمة حالياً. إنها تريد القول: إن تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لن تكون معتمدة ما لم تكن مذيّلة بتوقيع الجواسيس والعملاء خاصتها، الذين تجتهد في زراعتهم وسط اللجان الفنية الخاصة بالمنظمة، وهي تريد التأكيد على أن التعاون مع هيئات المجتمع الدولي لن يكون مدعاة للتشجيع والمكافأة، بل ولن يكون مجدياً ومقبولاً طالما لا يكون ممهوراً بالاستسلام الكامل للمشيئة الأمريكية والأوروبية الغربية.

ولكنه – في المحصلة – الفشل عندما يكرّر نفسه للمرة الألف كأنصع وأصدق تعبير عن العجز في مواجهة عالم جديد من القيم والاعتبارات التي تتجاوز الحسابات التقليدية لكي تصب مباشرةً في أرصدة المستقبل، فأن يغدو الالتزام بالاتفاقيات الدولية سبباً لمحاولات الضغط والعزل، وأن تصبح المؤسسات الدولية هياكل مجردة من أية مصالح مشتركة، لن يجعل سورية أبداً تأسف على التخلي عن ترسانتها الكيماوية العسكرية.. كان قراراً حكيماً وشجاعاً وفي محله تماماً، وهو لم يعدم قدرة سورية على الدفاع عن نفسها في مواجهة أعتى وأشرس القوى، على اختلاف تسمياتها، وأن تحقق النصر في النهاية.

من يشعر بالأسف هم أولئك الذين يمارسون ضغوطهم اليوم، سراً وعلانية!.

بسام هاشم