ساسة وإعلاميون أميركيون: ترامب باع نفسه لـ “ابن سلمان”
موجة انتقادات سياسية وإعلامية أميركية تنهال على الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب بيانه الثلاثاء، الذي أكد فيه أن واشنطن تعتزم أن تظل شريكاً راسخاً للسعودية، على الرغم مما توصلت إليه أجهزة الاستخبارات الأميركية من أنه من الوارد جداً أن ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، فقد أفردت الصحافة الأمريكية افتتاحياتها لهذا البيان، الذي عدّته “خيانة” لقيم الولايات المتحدة الأميركية وخدمة لرهان كان سيئاً على أمير يبلغ من العمر 33 عاماً، حسب صحيفة “واشنطن بوست” في مقالها الافتتاحي تعليقاً على مضمون كلام ترامب.
وكان ترامب جدّد في بيانه وقوفه إلى جانب ولي عهد النظام السعودي حتى لو كان الأخير هو مَن أمر بقتل خاشقجي، وتجنّب، على حدّ تعبير “واشنطن بوست”، ما كشفته وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) حول تورّط ابن سلمان بمقتل خاشقجي، وذهب إلى تبرير صلته بقائد “وحشي ومتهوّر”، متجاهلاً ما توصلت إليه الـ”سي آي إي”.
صحيفة “نيويورك تايمز” لم تكن بعيدة عن أجواء ما نشرته “واشنطن بوست”، فقد ذهبت في تحليلها إلى أن ترامب كثيراً ما رأى السياسة الخارجية كسلسلة من الصفقات التجارية “المجرّدة من القيم والمثالية”، وقالت: إن هذا البيان يمكن أن يصبح شيئاً من مخطّط للقادة الأجانب، أو دليلاً يمكن اعتماده لزيادة مكانة هؤلاء لدى الرئيس الأميركي.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن ترامب لم ينفِ ما توصّلت إليه وكالة الاستخبارات الأميركية، وإنما رفض عملية البحث عن الحقيقة، وأنه وقف إلى جانب ابن سلمان وسط ارتفاع منسوب المخاطرة بعزل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان.
وفي مقال ثانٍ لـ”نيويورك تايمز”، رأت أن ترامب رسّخ أقسى الرسوم الكاريكاتورية المُعدّة من أكثر نقاد أميركا سخرية، مصوّراً أهدافه المركزية في العالم، وكأنه يلهث وراء المال والمصالح الشخصية، مشيرة إلى قول ترامب في بيانه: إن “العالم مكان خطر للغاية”، حيث أكدت الصحيفة أن ترامب يجعل الوضع أكثر خطورة من خلال تشجيعه الطغاة في النظام السعودي، وأضافت: “بعبارات مبسّطة، لقد عكس بيان ترامب وجهة نظره بأن جميع العلاقات هي عبارة عن معاملات، وأنه يجب التضحية بالاعتبارات الأخلاقية من أجل المصالح الوطنية الأميركية، أو ما يسمّيه “أميركا أولاً”.
وعن الأهداف الكامنة وراء بيان ترامب، أعربت “وول ستريت جورنال” عن عدم تأكدها من الغاية التي سعى ترامب إلى تحقيقها، والتي يمكن وصفها فقط بالنسخة الوحشية للسياسة الخارجية، وذكرت أن ترامب يحتاج إلى حلفاء محليين في السعي وراء سياسة خارجية تتطلب خيارات صعبة. إلا أن تصريحه، عزله عن داعميه الطبيعيين لسياسة الشرق الأوسط، على غرار السيناتور ليندسي غراهام أو السيناتور ميت رومني، اللذين فصلا نفسيهما عن بيان الرئيس الثلاثاء.
أما سياسياً، فقد تعالت الأصوات المنتقدة لطريقة تعاطي ترامب مع تقرير الاستخبارات في أوساط الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، حيث انتقدت عضو الكونغرس الأميركي، إلهان عمر، بيان ترامب حول مقتل خاشقجي، وما تضمّنه من تأييد ودعم للنظام السعودي، وقالت في تغريدة لها على موقع تويتر: “مرّة أخرى، يثبت رئيسنا أنه لا يمكنك شراء بوصلة أخلاقية”، مضيفة: “النظام السعودي يثبت، من ناحية أخرى، أن بإمكانه شراء رئيس”.
بدوره، أعرب جون أوين برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عن رفضه لمواقف الإدارة الأميركية بشأن قضية خاشقجي، قائلاً: “على الكونغرس المطالبة بعقد جلسة مغلقة حول ما تعرفه الاستخبارات المركزية بشأن القضية”، وأضاف في تغريدة على تويتر: “لقد تجاوز ترامب حدود التزييف”، وإنه يجب ألا يفلت أحد في المملكة، ولاسيما ولي العهد، من المحاسبة.
وفي سياق متصل، أخطر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بوب كوكر ونائبه بوب منينديز، الرئيس ترامب بتحديد المسؤول عن مقتل خاشقجي، وطالباه بالامتثال للرد قانونياً خلال 120 يوماً قبل أن يصبح قانون ماغنيتسكي سارياً بشكل تلقائي، وحثّا ترامب على تحديد ما إذا كان ابن سلمان هو المسؤول عن اغتيال خاشقجي.
وقال السيناتور الجمهوري كوركر: إن ترامب بات “يؤدّي دور شركة علاقات عامة” تعمل لحساب ولي عهد النظام السعودي، مستنكراً محاولة ترامب تحييد ابن سلمان عن جريمة قتل خاشقجي، وأضاف في تغريدة له على تويتر: “ما كنت أظنني سأحيا إلى يوم أرى فيه البيت الأبيض يعمل كشركة علاقات عامة لولي عهد السعودية”.
وانتقد أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي تولي ترامب الدفاع عن ابن سلمان، حيث قال السيناتور الجمهوري راند بول: إن “كلام ترامب يضع السعودية أولاً وليس أميركا أولاً”، في إشارة إلى الشعار الذي لا يكفّ ترامب عن ترديده وهو “أميركا أولاً”، فيما قال السيناتور الجمهوري جيف فليك في تغريدة على تويتر: إن “الحلفاء الوثيقين لا يخططون لقتل صحفي.. الحلفاء الوثيقون لا يوقعون بأحد مواطنيهم في فخ لقتله”.
عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز قال: إن “الرئيس ترامب حاول في بيان غير مترابط ومخادع الدفاع عن النظام السعودي المستبد”، وتابع: إن ترامب حمّل إيران مسؤولية الحرب الكارثية في اليمن على الرغم من حقيقة أن التحالف السعودي هو من تسبّب بالدمار.
يذكر أن ترامب لجأ إلى التلاعب والمناورة في تعامله مع قضية مقتل خاشقجي سعياً منه لابتزاز نظام بني سعود، وذلك عبر إطلاق مواقف متناقضة، فبعد توعّده في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز “بردّ قاسٍ جداً” في حال ثبت ضلوع هذا النظام في الجريمة عاد ليصف الروايات التي حاكها حولها بأنها “جديرة بالثقة” رغم تعدّدها واختلافها وسط إصرار منه على رفض التخلي عن صفقة الأسلحة مع هذا النظام وقيمتها 110 مليارات دولار.