صفقة القرن ولدت ميتة
طارق دربو
لن تمر صفقة القرن لأنها ليست قدراً محتوماً على الجميع، بل هي مؤامرة جديدة ككل الاتفاقات التي حصلت تحت الطاولة بدءاً من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى غيرها من الاتفاقات التي كانت مرسومة بتواطؤ عربي من بعض أصحاب الصفقات.
في الماضي اهتزت هذه الطاولة أكثر من مرة من خلال انتصارات القاعدة المجتمعية العروبية التي فرضت التراجع عن بعض القرارات أو تثبيت بعضها وإلزام “إسرائيل “على التراجع عن مخططاتها بدءاً من حرب 73 إلى الانسحاب من لبنان إلى حرب تموز إلى خيارات إسقاط بعض الأنظمة العربية وكل هذا من أجل نسيان القضية وتحوير وتحريف القواعد العروبية عن مسارها. وإن كل ما يتم إثباته في هذه الصفقة خاضع للإشارات والإرشادات الخفية من قبل بعض القيادات العربية والفلسطينية.
صفقة القرن ليس لها ثمن سوى ثمن الحبر الذي كتبت به، لأنه حتى الآن لم يتعلم أصحاب الصفقات أن أصحاب الشأن هم المعنيون أولاً وأخيراً بكل تلك العروض المقدمة سواء في الحدود أو المياه أو التواصل أو التقارب، وعندما نقول أصحاب الشأن نقول أصحاب الأرض أي الشعوب، وليس الأنظمة.
يقال إنها ابتدأت كمجموعة أفكار جديدة لكنها قديمة الطرح لأنها تهدف في النهاية إلى حل القضية من زاوية الاحتلال ومن واقع الشتات الفلسطيني والضعف العربي وإعطاء “إسرائيل” كل شيء أو أقل بقليل من كل شيء من خلال إغلاق القضية الفلسطينية إلى الأبد كما يتخيل بعض التجار من إداريي ترامب وأزلامهم في الوطن العربي.
ليس هناك أسلوب جديد في هذه العبارة “صفقة القرن” سوى أسلوب قديم في اللعب على المصطلحات، وما كنا نسمعه عن هذه المصطلحات مثل الشرق الأوسط الكبير أو الصغير أو الأدنى ما هي إلا عناوين لتغيير الواقع العربي برمته، ولكن الجديد بمصطلح صفقة القرن لم يتغير لأنه من وحي القديم مضاف إليه بعض المحاولات لتغيير شيء في القضية.
وقد حذرت في افتتاحية صحيفة “الغارديان” البريطانية من أن “صفقة القرن ستجلب الفوضى وليس السلام للأرض المقدسة” أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطعت المساعدات عن الفلسطينيين وخفضت من نسبة تبرعاتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التي تقدم المساعدات والمعونات لنحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في منطقة الشرق الأوسط، موضحة أن مئات الآلاف منهم يعانون بسبب تقليص هذه المساعدات. وأضافت أن جميع الرؤساء الأمريكيين لعبوا دور الوسيط في التوصل لاتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنهم منحوا “إسرائيل” الضمانات الأمنية وطمأنوا الفلسطينيين بأنهم ليسوا منسيين، ورأت الصحيفة أن خطة ترامب ستجلب الفوضى.
وهنا علينا أن نعترف أن هذه الصفقة هي ترحيل العالم العربي إلى نفوذ الفلك الإسرائيلي فالصفقة لا تستهدف فقط فلسطين، بل المحيط العربي كله حتى إننا يمكن القول إن هذه الصفقة هي إبرام العداء بين العرب وضربهم ببعضهم لتجنيب العداء ضد “إسرائيل”، وبالتالي توجيه العداء العربي ضد الفلسطينيين على كافة الجوانب.
لكن يبقى الطريق المرسوم لهذه الصفقة أكبر من عملية الصراع الفلسطيني- العربي– الإسرائيلي، لأنه يراد منه أن ينتقل إلى الصراع الإقليمي تكون فيه “إسرائيل” هي سيدة هذا الإقليم، وإيران هي العدو الأوحد بأدوات عربية يعود من خلالها اليهود إلى تتريك العرب في حروبهم ضد جيرانهم ، لأن جعل العالم العربي بقبضة “إسرائيل” سيولد قوة إقليمية ضد القوى الإقليمية في المنطقة وسيعكر أجواء كثير من الصفقات والتجارة ورسم الخرائط والتحالفات، لهذا إن الصفقة ليست فقط تنازلاً عن فلسطين بل هي قولبة العالم العربي بـ “إسرائيل” خاصة بعد أن دخل هذا العالم العربي في غياهب الدمار.
لكن إلى متى تحاول أمريكا و”إسرائيل” رسم التحالفات مع أصحاب الصفقات؟ فالعالم العروبي لن يوقع، وهم لم يدركوا حتى الآن حقيقة الشعوب وانتفاضتها، ولم يدركوا أن المقاومة لن تنتهي. كلا كلا هم يدركون حقيقة محور المقاومة، ولكن لا يريدون أن يعترفوا بالحقيقة لذلك يجهدون أنفسهم لإنهاء القضية سواء الفلسطينية أو العروبية.
ويؤكد أيدار أغانين، ممثل روسيا لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، أن روسيا تنطلق فيما يخص “صفقة القرن” من أن الحل والتفاوض يجب أن يستندا إلى الشرعية الدولية، وإن أي خطوات أحادية الجانب تعتبر سلبية ومرفوضة من الجانب الروسي، مشيراً إلى أن مسائل الاستيطان والحدود يجب أن تحل ضمن التسوية النهائية. وتابع: “ومن أجل ذلك يجب على جميع الأطراف العودة إلى طاولة المفاوضات والبدء بحوار مباشر لبحث كافة المواضيع التي ستكون ضمن الحل النهائي.
لذلك إن السلام كلمة كبيرة لا تقبل التنازلات ولا الصفقات لأننا أصحاب الحق في كل القضايا فعروبيتنا لا تقبل المساومة والصفقات والنسيان ولا تقبل الدمار، فمن يوقع على هذه الصفقات هم ليست الشعوب، لذلك لا خوف على القضية، والحكام المتنازلون لاشك أنهم زائلون. وستبقى المعركة هي معركة أن “نكون أو لا نكون” . وليس هناك مبالغة أنه كلما تأخر إعلان الصفقة عادت من جديد لإرباكات موقعيها وهو مؤشر على فشلها حتى بعد انطلاقها؛ لأن التفاصيل بقيت على هامش الصفحات لم تأخذ أبعادها الرئيسية، من هنا نستطيع أن نقول إن هذه الصفقة ولدت ميتة.