ثقافةصحيفة البعث

أيمن زيدان.. طوبى لمن ربح نفسه

لاتقتصر القيمة الإبداعية للفنان أيمن زيدان على صعيد التمثيل فحسب فهو منذ بداياته التي شقها في الصخر كان يبحث عن مساحة خاصة به بين قامات حجزت لنفسها أمكنة لا يمكن أن ينافسها عليها احد في الوسط الفني السوري عبر عقود من الزمن، مما أعطى لتجربته في الإدارة الإنتاجية الخصوصية والفرصة الذهبية للعب دور مهندس الرؤى الفنية الجديدة في الدراما السورية، فحقق في فترة التسعينيات ما سمي بنهضة الدراما السورية وتحويلها لصناعة إبداعية تنافسية أفرزت أجيالاً من المواهب الجديدة بعد سنوات من تكريس أسماء بعينها سواء في التمثيل أو الكتابة أو الإخراج، مع قدرته على طرح أنماط درامية جديدة في الفن السوري كالفانتازيا التاريخية وكوميديا الست كوم وغيرها، محققا نقلات ناجحة وسريعة للدراما المحلية سواء بما قدمه من أعمال أو من خلال الأعمال التي حرض على القيام بها من منطلق تنافسي لمصلحة الفن السوري ككل، وصولا لتربع هذه الدراما على عرش الدراما العربية مطلع الألفية الثالثة كحالة فنية حديثة صاعدة في الفن العربي.
وصول الفنان أيمن زيدان للنجومية فيما قدمه واستمر في تقديمه عبر المسرح والتلفزيون والسينما لم يحد يوما من روح الشغف الفني الطازج لديه، ولم يعزله عن همه الإبداعي الذي لا ينفصل فيه الفردي عن الجمعي، وهذا ما قل نظيره في الوسط الفني السوري، فكانت تجاربه في الإخراج التلفزيوني التي بدأت مع مسلسل ليل المسافرين عام 2000، في الوقت الذي كان فيه نائبا في مجلس الشعب السوري، كما خاض قبلها تجربة التقديم لأحد برامج المسابقات على احد القنوات الفضائية الشهيرة ورغم كل هذا التنوع وأضواء الشهرة بأنواعها الفنية والاجتماعية لم يهجر المسرح وظل وفيا لأبي الفنون الذي انطلق منه إلى عالم النجومية مما أعطى لتجربته المتنوعة والغنية خصوصيتها التي ساعدت على تقريبه من الناس أكثر وإعطائه تلك المساحة الخاصة التي طالما كانت له وحده دون أي منافسة من احد. استعراض مسيرة المبدع أيمن زيدان يضعنا أمام حقائق عديدة أهمها الغنى والتنوع والعمق الإنساني والإبداعي والفكري لهذه الشخصية الاستثنائية مع التجذر في البلد والتمسك بالمبادئ التي لا يمكن المساومة عليها، فمع بدايات الكارثة التي حلت على سورية لم يغادر البلد، ورغم المغريات التي كانت تقدم لكل هارب إلى الضفة الأخرى، كما أن الزلزال الذي أصابه على الصعيد الشخصي بوفاة ابنه الأصغر نوار عام 2011 بمرض عضال لم يزده إلا تمسكا بمبادئه ووطنه مع دخوله بحالة حزن شديد تمازجت فيها مشاعره الخاصة بالإحساس العميق بالمفاجأة العامة التي يعيشها عموم السوريين.
من جانب آخر كان هذا الزلزال الذي عصف بروح أبي حازم دافعا له للغوص أكثر في عالمه الإبداعي رغم حزنه الشديد، فكانت السنوات السبع الماضية زمنا للعطاء واكتشاف مكنونات ذاتية وفكرية وإبداعية لم تظهر من قبل فقدم مجموعتين قصصيتين (اوجاع عام 2015، تفاصيل عام 2018 والاثنتان صادرتان عن دار نينوى) وثلاثة عروض مسرحية (دائرة الطباشير عام 2014، اختطاف عام 2017، فابريكا عام 2018)، وأخرج مسلسلين تلفزيونيين (ملح الحياة عام 2011، أيام لا تنسى عام 2016)، كما فاجأ الجميع بفيلمه السينمائي الأول (أمينة عام 2018) كمخرج سينمائي من الطراز الرفيع محققا خلال هذه السنوات العجاف نقلات نوعية في مسيرته الإبداعية وضع فيها عصارة سنوات عمله واجتهاده ورؤيته وأفكاره، مما يعطي أملا لكل من انزوى لأحزانه وانكساراته واختار الهزيمة بأن ينتفض من سباته ويعود للحياة ويكمل مشواره ويضع مدماكا آخر في بناء المجتمع بحسب اختصاصه ومجاله الذي اختاره أو فرض عليه، فالحياة لا يمكن ان تتوقف مهما طمت الخطوب.
ولعل ما كتبه الفنان زيدان قبل أيام على صفحته في الـ “فيس بوك” يختصر كل ما قلناه في بضع كلمات حيث كتب: “,سنداري ما تبقى من أرواحنا كي نتابع المشوار.. درب الفن المنشود وعر، لكننا سنظل أوفياء لما آمنا به.. كل الظروف تدفعنا إلى الهاوية لكن جذورنا الضاربة عميقاً في الأرض ستحمينا.. فطوبى لمن خسر عالماً كهذا وربح نفسه”.
محمد سمير طحان