“الرجال الطهاة”.. كسر للصورة النمطية أم اقتحـــام لمملكـــة المـــرأة والتفـــوق عليـــها؟!
لم يكن يتوقع ياسر، الرجل الستيني، أن يصبح يوماً من الأيام طاهياً في فندق يصنع الأطعمة لأناس لا يعرفهم، وهو الرجل القادم من القرية، والذي تربى– كغيره في مجتمعنا الشرقي- على أن المرأة هي المختصة بصنع الطعام، وهذا ليس غريباً على مجتمع مازال يصر على التفريق بين الرجل والمرأة، رغم امتهان الطرفين لأعمال قد يعتقد البعض أنها حكر على أحدهما دون الآخر.
تجارب
ولا يعتقد ياسر أن في مهنة الطهو مهانة أو انتقاصاً من قيمة الرجل طالما أنه يحبها ويتفنن بها، فالطهو فن وذوق ومهنة شريفة كغيرها من المهن تفتح المجال واسعاً أمام التطوير والابتكار، لاسيما في النكهة الخاصة التي يتميز بها كل شيف عن غيره، ويتابع ياسر بأن فكرة عمل الرجل “طاهياً” لم تكن مستساغة من قبل الناس في السابق، ولكن الوضع اختلف مؤخراً، فقد أصبح الطهو فناً، ولم يعد مقتصراً على المرأة، فالرجل أصبح خبيراً بهذه الصنعة، وربما احتلت المرأة مكانة تليه، ولكنها مازالت في البيت من وجهة نظره مسيطرة على الوضع، أما سعيد، طالب اللغة العربية، فقد بيّن أنه دخل أحد الفنادق في دمشق بداية للعمل، ولكسب مال يساعده على إكمال دراسته الجامعية كونه يدرس تعليماً موازياً، ووجود أبيه بالفندق نفسه أيضاً في المطبخ ساعده على ذلك، إلا أنه وبعد استمراره ثلاثة أعوام أحب العمل، وأصبح يلقب بمساعد الشيف، ورأى في مهنة الطهو فناً وجمالاً، وهو لا يستحي من أصدقائه عندما يسألونه عن عمله الإضافي، إلا أنه يفضل العمل في اختصاصه الجامعي ليبقي الطهو موهبة قد يحتاجها مع قادمات الأيام بحسب قوله.
صورة نمطية
“من يطبخ من الرجال ليس رجلاً بما فيه الكفاية”، صورة نمطية يطلقها الرجال أنفسهم على بعضهم حينما يوجد بينهم من هو بارع في إعداد الطعام، فالطهو بالنسبة للعديد منهم عمل نسائي، والبراعة به موهبة نسائية، لذا من يفعل ذلك من الرجال يتسم بتلك الصفات النسائية، كما أنهم ينعتونه بها وكأنها مسبة.
يقول بسام ديوب، “خبير اجتماعي”: توصيف الطهو على أنه نشاط نسائي لم ينحصر على المستوى المجتمعي فقط، بل تسير العديد من الإعلانات التسويقية على أغلب القنوات العربية على المنهاجية نفسها، فدائماً وأبداً تكون المرأة هي من تطهو في الإعلان، أو دوماً هي من تحضر الصحون للطاولة التي ينتظر الرجل عليها الأكل بكل حماسة، لتكون تلك هي الصورة النمطية في أذهان المجتمع العربي عن الطهو، فالمجتمع والدعاية والإعلان يروّجون بكونه عملاً خاصاً بالنساء، وهو ما يشعر الرجال بالإحراج عند التحدث عن الطهو بينهم وبين نظائرهم من الرجال، فيتجنبه أغلبهم ليتركوه للنساء، وحتى إن كان بارعاً في ذلك يتجنب التحدث عن موهبته أمام أصدقائه، ولكن الآن– بحسب ديوب- بدأت حدة تلك الصورة النمطية تخف قليلًا مع انتشار برامج الطهو على القنوات العربية، والتي يحتلها الرجال كما تحتلها النساء بالضبط، وساهم انتشار الفنادق والمطاعم الغربية الحديثة بإقبال الرجال الواسع على دخول مهنة تعلّم فنون الطهو لعدة عوامل، منها وجود مدربين متخصصين في تعليم فنونها، عدا عن قدرتهم على السفر، والحصول على دورات تدريبية تؤهلهم لدراستها والتوسع بها، وطهو الطعام بعدة أشكال ونكهات تمزج ما بين الطابعين العربي والغربي، ناهيك عن الأجر العالي الذي يتقاضاه الشيف.
تفوق جديد
وبيّنت الأستاذة وصال مريشة، “كلية التربية”، بأن الرجال تمكنوا من اقتحام مملكة المرأة وتفوقوا عليها، حيث إن انتشار أكاديميات تعليم فنون الطهو بالطرق الحديثة، وإقبال الفتيات على الدراسة فيها، لم يمنع من تفوق الرجل عليها في هذه المهنة، نظراً لصبره وقدرته على تحمّل الوقوف لساعات أثناء الطهو بخلاف المرأة وما عليها من مسؤوليات كثيرة أخرى، إضافة إلى قوته البدنية التي تتطلب حمله أدوات الطهو الثقيلة، والأهم بأن مزاجه في الأكل يختلف عن مزاجها، فالمرأة تحاول دائماً إرضاء زوجها بإعداد ما يحب ويشتهي على مبدأ “أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته”، ويبقى همها الأول والأخير تواجد ما يحب من أصناف الطعام على الطاولة بغض النظر عن رغبة أبنائها في كثير من الأحيان، بينما الرجل يدخل عالم الطهو إرضاء لموهبته ورغبته، وبات نجماً بها، وهذا ما نلاحظه في المسابقات التي تجري على القنوات كتوب شيف، وغيره، حيث يكون الفائز دائماً رجلاً، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على كسر الصورة التقليدية عن المرأة والرجل في العالم العربي.
ضرورة المواكبة
إن الثقافة المهنية لتعلّم فن الطهو بطرقه الحديثة مطلوبة للمرأة حتى تخرج عما توارثته من أسرتها بطرق ثابتة لا تغيير بها، لاسيما أن انتشار المطاعم والأكلات الغربية تفرض عليها متابعة وإحداث كل تنوع وجديد في طبخاتها لتتواكب مع ما يُسعد زوجها وأولادها، ورغم أن الطهو يقترن دائماً بالنساء، إلا أننا نجد أن أهم وأفضل الطهاة على مر التاريخ كانوا من الرجال، وبحسب قائمة فوكس نيوز لأعلى 10 طهاة أجراً، نجد أن هناك امرأتين فقط استطاعتا دخول القائمة التي يهيمن عليها الذكور، واتضح أن هناك فجوة واضحة تميز راتب الطاهي الذكر عن راتب الطاهية الأنثى، وتخطى راتب الطاهي بواقع 18 ألف دولار في السنة راتب الطاهية، رغم ساعات عملها التي تعدت في الكثير من الأحيان عدد ساعات عمل الرجل في المطبخ!.
نجوى عيدة