مشهد درامي.. الشارع
أن تذهب كل يومٍ إلى عملك وبروتينٍ متجدّد يعني أنك تعتاد أشياء كثيرة.. كعادة ارتشاف القهوة قبل الخروج من المنزل، وارتداء الملابس المريحة والملائمة لطبيعة عملك، تسلك نفس الطريق غالباً ما لم تصادفك أزمة مرورية خانقة.. تخطو من نفس الأماكن كل يوم دون أن تتأملها أو ربما دون أن تتمعن في تفاصيلها الدقيقة.. لكن موقفا ما في الشارع يجعلك تنظر للمكان وكأنك أول مرة تسير فيه، واليوم كعادتي مسرعةً للوصول إلى عملي وناقوس التأخير يعزف ألحان الفوضى في داخلي، وعبارات الاعتذار والحجج تتأجج في رأسي من أين سأبدأ بها مع فريق العمل الذي اعتدت أن لا أتأخر عليه.. وفجأة أوقفتني (بصقة صميدعية) من رجل أربعيني ضاقت عليه حنجرته ببلع ما تردد في حلقه وعجز عن حمل منديل يرمي به قذارته، فقذفه دون هوادة بقوة في الشارع ليكون قرب حذائي المرمى لها.. أذهلني الموقف نظرت إليه بعين حاقدة وسألته بحق الربّ ما هذا؟. أجابني دون حياء أكملي طريقك لم تخرب الدنيا. أجبته هل أنت مجنون أم أحمق..؟
تبادلنا سيلا من الكلمات الجارحة والمحقّة، أنهى عباراته بأن الشارع ليس ملك أبيك.. هنا تلعثمت الحروف في صدري وأكملت طريقي أحدّق بالأبنية والناس المارة بقذارة الطريق وتلك الأوساخ التي ملأت جنباته من الصباح الباكر، وراق لي فكرة أنه لو اعتبر كلٌ منا أن الشارع ملكه وحافظ عليه، هل سيبصق فيه بهذه الطريقة المقرفة لأهل بيته بهذه الطريقة المقززة والمنافية لكل أشكال الأدب..؟ هل من الصعب اقتناء منديل بجيبنا قبل الخروج من المنـزل..؟ هل من الصعب طلب منديل من أي عابر سبيل لتفادي ذلك السلوك المخزي.. أكملت طريقي إلى عملي سيراً على الأقدام أتفحّص وأتأمل ذلك الطريق الذي حمل مآسي عادات وسلوكيات حوّلت جمال أخلاقنا إلى قاذورات في طرقاتنا.. “تراب الوطن يستحق التقديس لا البصاق”.
أمينة العطوة