في عيد الثقافة.. حفل تكريمي لكوكبة من المبدعين
“يوم الثقافة لارتقاء الإنسان”، خُصص إحدى فعالياته لتكريم كوكبة من المبدعين الذين فازوا بالجوائز التي أعادت وزارة الثقافة إطلاقها في مجال الترجمة والشعر والرواية في العام المنصرم بعد أن توقفت حيناً من الدهر.
وتحدث د.ثائر زين الدين حول الاحتفالية وتكريم المبدعين فقال: إن رعاية وزارة الثقافة للمبدعين في مختلف حقول المعرفة الإنسانية يعد في الصميم من واجباتها، بل هو أصل ومقصد نبيل من مقاصد إحداثها، ويسعد المرء أن هذا التكريم يتزامن مع انتصارات جيشنا العربي السوري المتتالية على الإرهاب، وإخماد جذوة هذه الحرب الغشوم التي شنت على بلادنا يتغيّا مشعلها وأد المعرفة وحجب النور عن أرض الأبجدية الأولى، وقد عهدت الوزارة إلى ثلة من الباحثين والأكاديميين والنقاد تحكيم أعمال المبدعين، وامتازت تقاريرهم بالموضوعية والدقة والرصانة والذوق العالي، ففي جائزة عمر أبو ريشة للشعر احتكمت اللجنة إلى سلامة اللغة والأوزان وحضور الموهبة وإشراق الديباجة وسمو الفكرة والخيال المجنح والصورة المشرفة، وفي جائزة حنا مينه للرواية أولت اللجنة للمضامين الفكرية أهمية خاصة، وراعت امتلاك الروائي تقنيات صناعة الرواية، فالطعام المشتهى لا يقدم إلا في إناء أنيق رائق، وفي جائزة سامي الدروبي للترجمة نظرت اللجنة إلى امتلاك المترجم ناصيتي اللغتين الناقل منها والمنقول إليها، وما قدمته للنص المترجم من خدمات تتمثل فيما يكتبه من حواش تفض ختمه وتكشف خبيئه. هذا وقد نوهت لجان التحكيم ببعض الأعمال المتميزة في الحقول المذكورة: الشعر والرواية والترجمة للذي اتفق فيها من ومضات إبداعية مشرقة استحقت أن يشار إليها بالبنان وإن كانت دون ما فاز من الأعمال.
جمال أدبي
وأضاف زين الدين: لقد عرف المشهد الثقافي السوري عدداً غير قليل من الجوائز الأدبيّة المهمّة قبل أن تندلع حرب جهنميّة مجنونة أُريد لها أن تحرق الأخضر واليابس، حتى إذا استجمعت البلاد أنفاسها عادت فأطلقت على لسان رئيسها جائزتي الدولة التشجيعية والتقديريّة؛ وأسند تنفيذهما لوزارة الثقافة وهاتان الجائزتان تمنحان على مجمل نتاج المبدع في الأدب والفن. ثم قامت وزارة الثقافة من خلال هيئتها العامة السوريّة للكتاب بإعادة إطلاق جائزتي حَنّا مينه للرواية العربيّة وسامي الدروبي للترجمة عام 2017 بعد أن توقّفتا ما لا يقلُ عن تسع سنوات، لتحدث بعد ذلك جائزتي القصّة القصيرة، واللوحة التشكيليّة الموجهتين للطفل، ولتعزّزَ حضورَ جائزة عمر أبي ريشة للقصيدة العربية، بنقلها من مستوى محافظة واحدة إلى فضاء البلاد الواسع، وهي جائزة قدمها في دوراتها السبع الماضيّة النبيل كنانة الشهابي، وتتابعُ اليوم أسرته الكريمة تقديم الجائزةِ في دروتها الثامنة بعدَ رحيله.
لقد لبّى دعوتنا في هيئة الكتاب نخبة من الأدباء لتحكيم الأعمال المقدمة لنيل الجوائز؛ وكان رائدنا ورائدهم في العمل هو الانحيازُ إلى فنيّاتِ الكتابة، النزوع إلى الجمال الأدبي؛ دون أي تصورات منغلقة أو التزامات من خارجِ الحقل الفني وبالمقابل دون التقليل من شأن البعد الفكري والمعنوي الحاضر في العمل. إن مسألة التقييم الأدبي التي تتمُّ في الجوائز هي ذاتها على درجةٍ كبيرةٍ من التعقيدِ والصعوبة وتحتاجُ إلى تضافرِ عاملين مهميّن: الذائقةُ الفنيّةُ العاليةُ، والمعرفةُ العلميّة الرصينة بدقائق هذا الجنس الأدبي أو ذاك، وقد تحلّى أعضاءُ لجان التحكيم بهاتين الميزتين.
وقال د.صلاح صالح: المؤسسات الأكاديمية ومايجري في رحابها من حراك علمي، والحركة النقدية على الصعيدين العربي والعالمي، كمراعاة الهيكل العام للنص، ومدى اشتماله على فكرة الرواية أو هيكلاً مصنوعاً من مادة لغوية، وجعل لغة الأدب غاية بحد ذاتها، وأدبية المعالجة السردية، ورصد الشروط التي تجعل الأدب أدباً، والرواية رواية، وهناك المشهدية، وقدرة المشاهد على تكوين عالم مواز للعالم ولوحة كلية لايكون فيها الكل ناتجاً حسابياً لمجموع عناصره. وهناك الفرادة المبتغاة على مستوى الأحداث المسرودة وطرائق معالجتها، وبناء الشخصيات وقدرة النص على ابتكار أنماط شخصية جديدة تستطيع فرض نفسها في الذاكرة الثقافية للمنطقة والعالم. ويضاف إلى ذلك قدرة النص على طرح المعرفة، بمعنى جعل المعرفة المضافة إلى حصيلة القارئ واحدا من معايير الجودة، تلقت أمانة المسابقة أربعة وثلاثين نصاً، وبذل أعضاء لجنة التحكيم جهوداً معتبرة في قراءة النصوص وتصنيفها وتمحيصها، وانتهى الحساب الرياضي المبني على جمع العلامات التي وضعها كل محكم على حدة وتقسيم المجموع على عدد أعضاء اللجنة لتكون النتيجة على الشكل التالي:
جائزة حنا مينه للرواية نال المرتبة الأولى الكاتب أحمد ونّوس عن رواية “فينيقيل”، والمرتبة الثانية للكاتب علي محمود عن رواية “الظل المكسور للياسمينة العرجاء”، والمرتبة الثالثة للكاتب حسام الدين خضّور عن رواية “المرفأ امرأة”، ونوّهت الأمانة برواية “كواكب” للكاتب محمد الحُفري.
وقدم جائزة “سامي الدروبي”الأديب عبد الكريم ناصيف وقد حاز المترجم عياد عيد على المرتبة الأولى عن رواية “الجزيرة الأخيرة”، تأليف فاسيلي بيتروفيتش تيشكوف أودويفسكي، والمرتبة الثانية للمترجم عدنان إبراهيم عن كتاب “التسونامي السياسي”، تأليف سيرغي كورغينيان، والمرتبة الثالثة للمترجمة زهرة حسن عن كتاب “كل النور الذي لا نستطيع أن نراه”، تأليف أنتوني دوير.
“قصص الأطفال”
وما أروع أن يكون في وطننا مسابقة تتيح لأقلام المبدعين أن تتبارى في سكب حبر القلوب النابضة بالإبداع على بياض الورق، إذ رأى الأديب نادر موفق أنها لفتة طيبة وعالية تحققها وزارة الثقافة للمبدعين ولأطفال الوطن بتخصيص مسابقات إبداعية يكون للطفولة فيها حيّز مهم، وها هو عقل الكاتب المشغوف بالطفولة وما في عالمها من جمال ومخيّلة نضيرة وجوانب إبداعية فريدة، ها هو ينشط بكامل المحبة لخلق نص يشبه ذلك العالم براءة ورشاقة وعفوية ومحبة، عالمين علم اليقين أن الكتابة للأطفال تكاد أن تكون من أصعب أنواع الإبداع لما تقتضيه من خصوصية الموهبة وتنوع المعارف والمهارات لدى من ينبري لمهمة خطيرة كهذه. وقد شارك في هذه المسابقة للقصة الطفلية خمسة عشر نصاً قصصياً مغفلة من أسماء أصحابها عكست بيئات متنوعة ومستويات مختلفة وأذواقاً بعضها طفلي بامتياز وآخر بدت الطفولة فيه وقد خرجت من جلدها مسرعة لتساوق طباع الكبار، ويبدو ذلك أثراً جلياً لرسوخ التربية التلقينية الواعظة في ثقافتنا، وتألفت لجنة التحكيم من ثلاثة من الكتاب المشتغلين بثقافة الطفولة والمبدعين في هذا المجال شعراً ونثراً وهم: الكاتبة أميمة إبراهيم، د.جمال أبو سمرة، وموفق نادر، قرأنا النصوص منفردين ومنحناها ما تستحق من درجات في جوانبها المختلفة حسب التقرير الذي أعدته هيئة الكتاب شاملاً الجوانب الإبداعية كلها.
ومُنحت جائزة القصة القصيرة الموجّهة للطفل في المرتبة الأولى للقاصّة وجدان أبو محمود عن قصة “بطاقات السعادة”، والمرتبة الثانية للقاصّة ناديا داود عن قصة “قلبي حبّة تفاح”، والمرتبة الثالثة للقاصّة عبير القتّال عن قصة “ريحانة والنجوم”.
وقدم الشاعر صقر عليشي جائزة عمر أبو ريشة، وعنها تحدث فقال: تقدم إلى هذه الجائزة بدورتها السابعة ستة وثلاثون متسابقاً، وبعد اجتماع لجنة التحكيم المؤلفة من د. وهب رومية، د.ثائر زين الدين، وصقر عليشي وفرز العلامات المعطاة من قبلها قررت اللجنة: منح الجائزة الأولى للشاعر منصور حرب هنيدي عن قصيدة “من يبايعني الحب”، والجائزة الثانية للشاعر منير خلف عن قصيدة “محاولة لإنصاف جهةٍ سوداء”، وفاز بالجائزة الثالثة الشاعر أنس بديوي عن قصيدة “للقصيدة سرّها”. ونوّهت اللجنة بالقصائد التالية لجودتها: قصيدة “ثرثرة” للشاعرة رائدة الخضري، وقصيدة “نور على حب.. حب على نور” للشاعر سامي سليمان، وقصيدة “عطش الروح” للشاعر أسعد الديري، وقصيدة “صبايا المرايا” للشاعر رضوان قاسم. بينما حجبت جائزة ممتاز البحرة لقلة عدد المتقدمين إليها.
كما تم تكريم أعضاء لجان التحكيم للجوائز التي قدمت خلال الحفل، وافتتاح معرض كتاب بعنوان “الرواية ديوان العرب الجديد”.
جمان بركات